بعد أقل من شهر من وفاة زوجته، قرر الرجل أن يتزوج ثانية.
لقد أحبته كثيراً وبقيت مخلصة له لسنوات طويلة وهو بعيد عنها، عندما قرر أن يسافر للخارج لكي يعمل، مع ذلك أنتظرته كل يوم حتى يعود، وعندما عاد فعلاً أظهر الحب والرومنسيات هو بدوره ، لكن يشاء القدر أن تموت هي بعد سنوات قليلة ، لكن الرجل لم يتنظر حتى مرور الأربعين، تزوج من هي أصغر منها، وجلبها لنفس غرفة الزوجة الأولى وهو في قمة سعادته.
هذا مشهد يتكرر كثيرًا في مجتمعاتنا: رجل فقد شريكة حياته بالأمس، واليوم يتزوج بكل برود، ولا تفهم ما يجري في عقول هؤلاء، وما يزيد الصدمة صدمتين هو ذلك الشيخ الهرم الذي " بقي له الماء يحمى" أي الذي بقي أن نغسله وندفنه، يسارع بدوره إلى البحث عن عروسة شابة تلملم عضامه و يقولك" الراجل ما يقدرش يعيش بلا مرأة حتى لو تبقى سنة وحدة في فمه!"
الغريب أن المجتمع نفسه الذي يصفّق للرجل ويعتبر زواجه "حقًا مشروعًا"، بل أن أول من يدعم هذا الأمر هي امرأة من طرف أخر، عادة هي الأم أو الأخت أو الخالة، التي تسارع في إنقاذه من الوحدة........... هذا المجتمع، هو ذاته الذي يحاصر المرأة إن فكرت يومًا في الزواج بعد وفاة زوجها، المرأة المسكينة تظل سنوات في عزاء طويل، محاطة بنظرات تُذكّرها أن "الوفاء" هو أن تبقى أسيرة الحزن، وأن أي خطوة نحو حياة جديدة تُعتبر جحودًا لذكرى الميت.
هذا التناقض ليس صدفة، إنه نتاج قرون من ثقافة تمنح الرجل "حق الاستمرار" وتعطيه مبررات التجاوز والتحرر، بينما تحبس المرأة في صورة الأرملة المخلصة، كأن قلبها لا يحق له أن ينبض مرة أخرى حتى بعد سنوات من هذا، الرجل يُكافأ بالتصفيق إن أسرع بالزواج ، يقول المجتمع " لاااااا الرجل ضعيف النفس تغلبه نفسه بدون الرجل" ، أما المرأة التي يراها المجتمع ضعيفة في كل المواقف إلا هنا، يرونها قوية وصابرة وعليها أن تكون مثال للوفاء، هنا تُدان المرأة بالصمت إن تجرأت على التفكير في حياة جديدة، وحتى بعد وفاة زوجها بعشرات السنوات، لو فكرت في ذلك مرة أخرى سوف يتم اتهامها " بالشهوانية" و"عدم الإتزان" واللامسؤولية إذ تترك أولادها تحت سلطة رجل أخر جديد" خصوصاً إذا كان لذيها بنات.
وصدق أو لا تصدق ليست هذه مشكلتي الوحيدة، مشكلتي هي ماذنب ذلك الرجل الذي أحب زوجته بصدق، لكنه فقدها وهو مرغم الآن أن يتبع مجتمع يملي عليه ما يجب أن يفعل كي لا يقال ليس رجلا، وكيف يتم تشييء المرأة حتى في أقدس علاقة إنسانية، يتم التعامل معها كشيء يتم استبداله بسهولة، دون أي مراعاة لمشاعر أحد، لا مشاعرها هي ولا مشاعر أهلها وأولادها الباقين ... وكيف يشعر أولئك الرجال الذين يسارعون إلى الارتباط من جديد ببرود شديد وكلهم فرح ولهفة للزوجة الجديدة ولم يحل الحول أو الشهر على زوجته، يا أخي الإنسان الطبيعي يفقد قلم حبر يزعل عليه شهر فما بلك بإنسان من لحم ودم .
التعليقات