التاريخ يكتبه المنتصرون – قد كشفت لنا حرب غزة المستمرة منذ مايقارب السنتين حيث يواجه جيش نظامي مسلح بأحدث الأسلحة ويمتلك سلاح الردع النووي ومن خلفه تقف ترسانة الاسلحة الامريكية التي تعوضه دائما بما ينقص من سلاح وعتاد وكذلك بالمعلومات الاستخباراتية والأقمار الصناعية وبالرغم من كل ذلك تقف اسرائيل عاجزه عن تحقيق نصر كاسح كما يفترض ان يحدث وفق الامكانيات المادية والعسكرية اللوجستية وكذلك الدعم الدبلوماسي ...

كل ذلك ويقف الجميع متفرجا وتصرخ الشعوب وتتظاهر ولكن تقف الحكومات عاجزة طيلة عامين كاملين أمام مشاهد القتل والدمار غير مسبوق ودمار المستشفيات والمدارس وقبلها منازل المدنيين واستهداف الصحفيين بشكل مباشر و الأن مرحلة التجويع وموت الأطفال نتيجة نقص الغذاء والدواء وحتي المياه الصالحة للشرب ..

تقف الترسانة الاسرائيليه المدعومة امريكيا لتمنع حتي الحد الأدني من الاحتياجات الأساسية (اللازمة للبقاء على قيد الحياة) من الدخول الي غزة المحاصرة من اكثر من عامين في إبادة جماعيه واضحة لكل من له أعين يري بها او قلب يحس به ...

السؤال البديهي - هل نحن نعيش في نظام عالمي عادل أو هل الأمم المتحده أو محكمة العدل الدوليه تلعب دور حقيقيا في حياة الشعوب – كل الشعوب أم أنها مجرد كيانات تم انشاؤها لتبييض اوجه الدول العظمي وتصوير النظام العالمي على أن هناك عدالة انسانية وقانون دولي وعقوبات تطال من يخالف أو يتجاوز أو يرتكب مايتم توصيفه بجرائم الحرب !!!

صمت المجتمع الدولي - هل بعد سقوط ورقة التوت عن النظام العالمي العاجز عن انقاذ اطفال من الموت جوعا على شاشات التليفزيون (حيث وصل تعداد القتلي الاطفال نتيجة الجوع الي مايقارب 250 طفل) ومازال نتنياهو ينكر حدوث مجاعه ومازال المبعوث الامريكي ويتكوف ينكر قيام اسرائيل ب التطهير العرقي في غزة !!! 

بعد مقتل اكثر من 400 صحفي ومنع دخول المنظمات الصحفيه الدوليه لغزة خلال فترة الحرب لمنع تغطية مايحدث واستهداف الصحفيين بشكل مباشر ومتعمد لمنع التغطيه الاعلامية للمذابح اليومية الجارية والمستمرة في قطاع غزة منذ مايقارب السنتين – مازال هناك خلاف علي حقيقة من الجاني ومن المجني عليه !!!

إزدواجية المعايير - فمازال المجتمع الدولي يتظاهر بالبحث والتحليل و كأن الأمر يحتاج إلي مزيد من الإستقصاء حتي يستطيع الاقرار بمن المسئول عن مقتل أكثر من 62 ألف مدني فلسطيني (وفق منظمة الصحة الفلسطينيه) !!!

هل ننتظر موقف ايجابي من فرنسا مثلا التي قتلت اكثر من مليون شهيد جزائري خلال ثورة الجزائر للاستقلال هذا غير التجارب النوويه في صحراء الجزائر حتي تصبح فرنسا دوله نوويه ؟؟؟

هل ننتظر موقف ايجابي من امريكا التي قتلت اكثر من 200 الف ياباني في القصف النووي لهيروشيما ونجازاكي خلال دقائق معدوده حتي تربح الحرب و تستسلم اليابان ؟؟؟

مخطئ من يتصور ان النظام العالمي الذي وضعه المستعمرون الأوائل سوف ينصف عبيد المستعمرات السابقين .

وإلا ماهو تفسير ان تحوز خمس دول فقط لحق النقض (الفيتو) وتستطيع دوله واحدة منهم فقط ان تشل وتمنع اتخاذ قرار حتي وإن وافقت عليه وأيده جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة – أي نظام عادل هذا !!!

نقطة مضيئة في نفق حالك الظلمة - حرب غزة بقدر مرارتها وقسوتها علي النفس الانسانية إلا أنها كانت ومازالت تكشف وتعري النظام العالمي وكذلك توضح حجم دول الشرق الاوسط وتأثيرها علي القرار الدولي (رغم الامكانيات والثروات الهائلة والتعداد السكاني وكذلك اللغة والدين المشترك) إلا انها ضعيفة إلي درجه الهوان عن القدرة علي التأثير علي القرار الدولي.

التجارب كثيرة وقرارات الأمم المتحدة الغير منفذه أكثر (الا اذا رغب ووافق المستعمرون الأوائل عليها بالطبع).

غزة اليوم ليست مجرد مأساة إنسانية - ولكنها شهادة علي العدالة الإنتقائية واختلال ميزان النظام العالمي ورسالة واضحة علي ضرورة هيكلة النظام العالمي وفق قواعد إنسانية عادلة وليست عدالة انتقائية.