حين تكون تنتهي من عملك بعد يوم طويل، وتريد أن تعود لبيتك لترتاح، فسوف تختار الطريق الأسىع والأسهل للبيع بلا تفكير، وهذا قد يبدو قراراً طبيعياً ومنطقياً، لكن ماذا لو وجدت طريقك المعتاد للبيت مغلقاً، ولا خيار لك إلا البحث عن طريق آخر، حينها سيركبك الهم ويحاوطك الخوف، وتسأل نفسك أما آن لهذا اليوم أن ينتهي؟!
حينها ستسلك السبل، وستستشكف الطرقات الجانبية، والحارات، والأزقة، التي لم تفكر في دخولها من قبل، ستمر بأسواق، وبيوت، وأماكن، لم تكن تعلم بأنها موجودة أصلاً في منطقتك، وستركب مواصلات لم تجربها، وسترى منها آفاقا جديدة ومشاهد لم تشاهدها من قبل.
لكنك لن تلاحظ منها أي شيء، لأنك في حالة سكر من التعب والإرهاق، وما إن تنتهي هذة الرحلة غير المتوقعة، وتعود إلى بيتك وترتاح، ستعود إلى عملك في البوم التالي وذهنك مشغول بكل ما اكتشفته في رحلة البارحة، وحين ينتهي العمل ويحين وقت العودة، ستندهش من عدد الطرق التي يمكنك من خلالها العودة إلى بيتك، ومن عدد التجارب التي كان يمكنك أن تخوضها، لولا أنك كنت دائما تختار الطريق السهل، كم فوت من الفرص، وكم اهدرت من المال، إلا أن الإرهاق كان دائما يقف بينك وبين التفكير خارج صندوق الراحة، وكنت تظن الراحة في العودة إلى البيت، والدخول في نوم عميق، لكن النوم لم يكن علاجاً لأي من مشاكلك من قبل، إلا انك شعرت ليلة أمس أنها أول ليلة تنام فيها بعمق.
هذا لأن عقلك هو الذي استراح من روتينه اليومي، وتفاضيل حياتك الرتيبة التي لا تنتهي. ركوبك نفس المواصلة كل يوم، والمشي من نفس الطرقات، ومقابلة نفس الأشخاص، كل هذا كان يقتلك بصمت.
أما رحلة البارحة، فكانت كالسحر، رغم أنك لم تخرج من نظاق سكنك، إلا أنك عرفت أن فيه مواطن مجهولة بالنسبة إليك، تحتاج ان تستكشفها، ذلك المقهى ذو الديكور المميز والإطلالة الساحرة، وتلك الأسواق الشعبية للمفعمة بالألوان، وذلك الشارع الطويل الذي يطوي آلامك ويزيلها كلما مشيت فيه، ويحرر أفكارك، ويجعلك تشعر بأنك حر كالطير الذي فوقك في السماء.
هنالك ألف طريقة لتعيش بها حياتك، فلما تلتزم نفس الطريقة كل يوم.