المقال من كتابة الدكتور فؤاد البنا وهو منشور على موقع إسلام ويب بنفس العنوان.

إن العقائد والأفكار تتعدد وتتنوع كالألوان، فالطبيعة لا تنحصر في اللونين الأبيض والأسود، وكذلك فإن الحياة ليس فيها شر محض وخير محض، بمعنى أن الشر فيه تفاوت وتعدد واختلاف، مثلما هو حال الخير.
وهذا ما ينبغي أن نتعلمه من القرآن، فإنه لا يستخدم الألفاظ الحدية والمطلقة، بل يستخدم الكلمات المنضبطة والمصطلحات التي تعبر عن الحقائق والوقائع بدقة متناهية، مثل مصطلح "أكثر" ومشتقاته، فقد ورد في (البقرة: 100، 109، 243)، (آل عمران:110)، (النساء:114)، (المائدة:15، 32، 49، 59، 62، 64، 66، 68، 71، 77، 80، 81، 103)، (الأنعام: 37، 91، 111، 116، 119، 137)، (الشعراء: 8، 67، 103، 121، 139، 158، 174، 190، 223)، ووردت هذه المفردة في سور أخرى هي: الأعراف، التوبة، إبراهيم، الروم، يس، ص، الحجرات، نوح، يوسف، الإسراء، الصافات، غافر، سبأ، النحل، القصص، الزمر، العنكبوت، النمل، لقمان، فصلت، الدخان، الطور، الأنبياء، المؤمنون، الفرقان.
وفي المقابل وردت ألفاظ (القليل) في اثنين وسبعين موضعا من القرآن الكريم. إذن، عندما يورد القرآن مصطلحي الكثرة والقلة، فلا مكان هنا للإطلاق والتعميم في الحديث عن الناس والأشياء والظواهر جميعا، فلا يصح أن يضع المرء كل شيء في خانة واحدة.
وعندما يتحدث القرآن عن الآخـر (غير المسلمين وغير المؤمنين) فإنه لا ينسب إليهم كل رذيل مرة واحدة، نازعا منهم كل خير، ولا يضع الجميع في سلة واحدة، ولكنه غالبا ما يستخدم كلمة ( منهم ) للتبعيض والتفريق، ونجد مثل ذلك في سور كثيرة: (البقرة:75، 100، 101، 146، 188)، (آل عمران:23، 78، 100، 199)، (النساء:77)، (التوبة:117)، (النحل:54)، (النور:47-48)، (الروم:33)، (الأحزاب:13)، (الأنفال:5)، (سبأ:20).
ويضع القرآن مبدأ عاما في التعامل مع (الآخر)، وهو يتحدث عن اليهود الذين يمثلون الرقم واحد في سلم العداوة للمسلمين، حيث يقول تعالى: ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ) (آل عمران: 113- 114)؛ ويقول تعالى: ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ) (آل عمران :75) .
فإذا كان عنوان التعامل الفكري والفعلي مع أعدى أعداء المسلمين ينطلق من قاعدة قرآنية عامة ( ليسوا سواء ) فكيف يكون الأمر مع الآخـرين، سـواء كانـوا أحـزابا وجمـاعـات أو فرقـا وطوائف، أو مذاهب وتيارات؟ 
إن الناس مختلفون، عقليات وأفهاما وطبائع وأمزجة ومستويات متباينة، ومن ثم فإن كل إنسان مسؤول عن نفسه ( ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (النجم:38 -39)، فمن أين جاءت الأفهام التي تسوي بين الجميع؟ وعلام يستند من يحكم على الجميع بذات الحكم؟
إن الملايين من المسيحيين، التي خرجت في شوارع لندن ونيويورك وروما وباريس ومدريد وبرلين، تعارض الحرب على العراق، تؤكد أن رؤية القرآن ( ليسوا سواء ) هي الأبرز والأوضح والأصدق والأعدل! فليس كل يهودي صهيونيا، وليس كل مسيحي صليبيا، وليس كل هندوسي معتديا، وهكذا.
إن التعميم لا يجوز في المنطق الإسلامي، حتى في الدعاء، فلم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا على أي من الكفار لكفرهم، لكنه دعا على المعتدين منهم، وهنا لن تجد أي مجتمع يتصف بصفات الاعتداء برمته، فهناك دوما من يكرهون ذلك.
وفي سياق تحريم التعميـم أورد القرآن أنه حـتى في إطـار الجمادات لا يصح هذا التعميم، فمخلوق مثل الحجارة الصماء، ليست بذلك السوء الذي يظنه المشاهد لها، لاشتمالها على صور من الخير، كما قال تعالى: ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) (البقرة:74) ، وقال: ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) (الحشر:21).

الموضوع موجّه بشكل خاص لأحد الأعضاء من ناشري المواضيع الدينية والأخلاقية، ولكنه أيضاً موجّه بشكل عام للعديد من أعضاء المنصة.

تعميماتكم السيئة لا تضرّكم فقط، بل تمهّد أيضاً الطريق لضلال من يقرؤها من بعدكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.