وأنا أبحث على الإنترنت وأشاهد مقاطع الفيديو الكثيرة التي تتحدث عن النخوة العربية وكيف لا تقوم الدول العربية بالتحرك إزاء ما يحدث في غزة، أجد تساهلاً كبيراً، خاصة من قبل أشخاص مثقفين، بخصوص فكرة خوض حرب شاملة بسبب دولة مستعمرة وباسم العروبة، القومية وما إلى ذلك من شعارات.

عندما نعود بالزمن إلى الوراء، إلى أيام عبد الناصر والملك حسين وبومدين وبورقيبة وغيرهم، أي إلى حرب67 وأيام النكبة، تلمع شرارة في عقولنا مفادها أن حكامنا الحاليين ضعفاء وغير قادرين على اتخاذ ما اتخذ أسلافهم من قرارات جريئة أدخلت العالم العربي في حرب شاملة ضد إسرائيل وحلفائها. وجانب من هذا التفكير صحيح، إلا أنه بحد ذاته ليس نتيجة ولا يمكن اعتباره سبباً، حتى أن التفكير بهذه الطريقة السطحية يظلم معطيات كثيرة تراكمت على مر السنين، بدأت من النكبة حتى الوقت الحالي.

كان حلم عبد الناصر بإنشاء الجمهورية العربية المتحدة ليكون مفصلاً هاماً في تاريخ العرب لو تحقق على أرض الواقع) لم يدم طويلا). كان هذا الحلم ليؤدي إلى نشوء تكتل قوي يفوق التكتل الأوروبي بمراحل، بحكم القوة النفطية التي تحوز عليها الدول العربية. وقد وعى الغرب إلى خطورة هذه الفكرة، فتحرك بسرعة خلال الستين سنة الأخيرة من القرن الماضي على مسارين. أولاً، المسار الاقتصادي الذي جعلهم في غنى نسبي عن النفط العربي بتطويرهم التكنولوجيا رغم المعوقات. وهذا جعلهم في مأمن من تكرار حادثة وقف تجارة النفط مع هذه الدول في عام 73 بسبب الحرب مع إسرائيل ودعم أمريكا وهولندا خصوصاً لهذه الحرب. فحتى لو تكرر مثل هذا الحدث (مستبعد بنسبة مليون في المائة)، ستكون تكنولوجيا الغرب صمام أمان لهم (دون التطرق إلى الهيمنة الشاملة في الأسواق).

ثانياً، وهو الأهم، اعتمد الغرب على سياسة "فرق تسد" لإجهاض أي حلم جديد يمكن أن يولد ويؤدي إلى إنشاء كتلة اقتصادية أو سياسية عربية موحدة. وصارت كل دولة عربية تسعى وراء مصالحها الخاصة التي تكون غالباً مثل جزرة الحمار، لا تطالها أبداً.

في ظل هذه المعطيات، لا يمكن لأي دولة عربية التدخل في غزة، ناهيك عن إبداء رأي صريح عما يحدث هناك. لقد وصلت الأنظمة العربية إلى الحضيض بفعل البيروقراطية والاستبدادية والربيع العربي والتحالفات العرقية والإثنية. ومن تبقى من الأجيال التي تتذكر أن العالم العربي لم يحرك ساكناً في مذبحة القرن (مذبحة صبرا وشاتيلا)، يعلم علم اليقين أنه حتى لو حدثت مجازر أفظع من هذه في غزة، فلن ينصرهم أحد غير الله. أما بالنسبة للأجيال الصاعدة، فاهتمامها الوحيد هو وسائل التخابث الاجتماعي التي تحشو رؤوسهم بالتفاهات ولا تدع فيها مجالاً ضئيلاً لأي اهتمام أخلاقي أو سياسي أو تاريخي.

أردت الإسهاب في الكلام بيد أن...