حدِّثني عن الإيجابية الصماء والتفكير الإيجابي الأعمى، خَدِّرني بقولك إني أستطيع وأنه لا وجود لكلمة مستحيل. أعطني نظارة الألوان التي تُظهر كل لونٍ بحدَّةٍ زائدةٍ تُفسِد عيني، ولكن لماذا نتحدث بعقلانية وواقعية؟ أيُّ بؤساءٍ نحن؟
الإيجابية السلبية !
سمّيها الإيجابية السامة وهي أكثر ما أكره، كتبت لك تعليق في مساهمتك "رسالة إلى نفسي" بداخلها أمور إيجابية ولكنها أمور مجرّبة، أنا الإيجابية التي تغدو سامة فهي الكلام المعسول اليوتوبي الغير قابل للتطبيق نهائياً، كلام صار هناك من يحترفه ويأخذ عليه دولارات من أجل كتابته وصنعه سواء فيديوهات أو كتب عبر أشخاص يسمون أنفسهم coach وكأنك في مباراة وتحتاج إلى شخص يقول لك كيف تلعب ويحفزك ويقومون فعلاً بهذه الوظيفة.
لذلك الإيجابية أمر رائع أن نسمعها ولكن علينا أن نتأكد بأن من يقول هذه العبارات قد جرّبها فعلاً وبعد ذلك نقوم باتباعه للتأكد من ذلك.
عندما أقول لك "لا شيء مستحيل" فأنا أكذب عليك حتما، وعندما أقول لك "إنك تستطيع" فأنا أيضا أكذب عليك، لكن عندما أقول لك "إن الله على كل شيء قدير" فهنا الفارق في الموضوع، وعندما أقول لك "إذا عزمت فتوكل على الله"، أنا هنا أحرضك على طموح مرغوب مرتبط بالعزيمة والاستعداد، مرتبط بالأخذ بالأسباب، ومرتبط بالرضى والقبول بأن الله ييسر لك الأفضل دائما بالتوكل عليه.
هنا يكمن الفرق بين الإيجابية المرابطة بالواقع والايجابية الصماء.
لماذا لا ندع الإيجابية جانباً ونغلق عليها صندوقاً ونرميه في اليم، ونتحدث قليلاً عن الإيجابي.
حدثني عن الإيجابي وكيف يفعل، أخبرني أن هناك أشخاصاً حققوا أمورًا - لم تكن في واقع الأمر مستحيلة أبداً - ولكنهم لم يتحققوا من ذلك إلا بعد أن خاضوا غمار التجربة وحققوا انتصارهم، حدثني عن أناسٍ انحنت ظهورهم على أسطح مكاتبهم، ثم ارتفعت هاماتهم حين قاموا ممسكين بنتاجهم، أخبرني عن أشخاص عاشوا في الظلام زمناً ليصنعوا النور، وعن أشخاص رافقوا العناء زمناً لينعموا بالراحة أبداً، ألم يحدث ذلك فعلاً من قبل؟
لا تحدثني عن الإيجابية، وحدثني عن أشخاص صنعوها.
ربما هكذا يمكننا التفاهم أكثر.
التعليقات