إذا ظل التعليم في جميع التخصصات العلمية والإنسانية قائم على الأدلجة والحشو الفكري والأسلوب التقليدي البحت في إلقاء المُحاضرات النظرية والنسخ واللصق، وتتبع مؤلفات الدكتور أو المحاضر الأكاديمي الذي هو أصلاً ناقل لمعارف ونظريات أصبحت قديمة ولا تتماشىٰ مع ثورة التعليم الحديث أعتقد خلال المرحلة القادمة قد لا تتوافق تماماً المهنة التخصصية مع مُتطلبات سوقـ العمل الذي أصبح يوم بعد يوم يتحولـ إلى حوكمة رقمية بفعل تسارع التطور التكنولوجي ،وقواعد الداتـا وبرامج التطوير المهني التي ساهمت بشكل كبير في إنجاز أغلب الأعمالـ وبالذات تلك المشاريع التي تتطلب جهد كبير  بأقل تكلفة وبأعلى جودة.

ما أقصده نحن أمام تحولات فارقـة أمام تكنولوجيا العصر، وتقنيات البرامج والتطبيقات الذكية سوأء في الحاسب الآلي أو أجهزت الأندرويد، وإن لم يُحضر الواحد نفسه ويطور ذاته مهنياً ، رُبما قد يجد صعوبة بالغـة في سوقـ العمل في حالـ إفتقاره لـ مهارة التقنية الرقمية الخاصة بتخصصه.

وعلى سبيل المثال

المهندس مثلاً: اليوم يُكاد لا شيئ أن لم يكن قد إرتقىٰ بمهنته من مُستوى الحفظ والتلقين إلى مُستوى الخبرة والإحتراف البرمجي ،وتتبع أخر ما وصل إليه العالم في مجاله، وكذلك الطبيب أن لم يكن على معرفة كافية في أجهزة التشخيص الحديثة ،ولديه القدرة على التعامل معها يكون غير موثوقـ بقدراته، وكمان الأمر ينطبق على المحاسب والإداري والتربوي والإعلامي ، ايضاً الأمر ينطبق على كل حرفه أو مهني.

لا مجال لنا اليوم نحن كمهندسين أمامنا تغيرات جذرية وتطور مُذهل في جانب العمل الهندسي والتطوير العقاري والتشيد، وأسلوب البناء الحديث، وباقي المجالات، أصبحت القراءة مُجرد معرفـة ببنود وأساسيات التخصص التي قد لا تجعلك تشعر بحبك وشغفك للمهنة عكس العمل الميداني ومواكبة التطور الرقمي للتخصص الذي يُساهم بشكل كبير في تحويل المعرفة لـ شيئ يُدعىٰ الخبرة "experience" والتي هي رصيد مُجمل للسيرة الذاتية " Curriculum vitae " التي تلخص خلاصة التجربة المهنية للمتخصص في أي مجال أكاديمي كان.

أعرف جيداً تحويل المعرفة التخصصية مبدئياً صعب أن يتم ؛ نظراً لعدة أسباب من ضمنها: عدم وجود فرص للعمل ،أو حتى وجود معاهد متخصصة في تأهيل وتدريب الخريج للتطبيق الميداني ، الأهم تكرار المحاولـة لإنقاض هذه المعرفة بشيئ من التذكير العملي حتى ولو بشكل متفاوت.

التعامل مع متطلبات سوق العمل

يخدعك من يسوقـ لك بأن حالات التعليم القائمة للتخصصات الأكاديمية في بلادنا العربية – وبالذات تلك البلدان التي تُعاني شحة الإمكانيات المادية، وقلة الدعم المُخصص للمجالات المهنية والعلمية – مجدية للتعامل مع متطلبات سوق العمل ،ومن يعتمد على ما هو حاصل قد يجد نفسه يوماً ما أمام عقبة كبيرة من العراقيل التي قد تنكصه بسبب أنه يفتقر لـ خبرة العمل أو أنه لا يتقن برنامج ما، أو ضعيف في مهارات التواصل ، وحسن تكوين العلاقات الإيجابية في سوق العمل.

نعي جيداً

كل هذا لم نتعلمه في صفوف الدراسة ومراحلها بسبب ظروف البيئة والتباطئ في مواكبة التكنولوجيا الحديثة، لكن فرض علينا أن نملكها بعد إتمام الدراسة والتفرغ للعمل، فسوق العمل يسابق الزمن ومتطلباته كثيرة، أيضاً لا ننسىٰ أن التأهيل واللغة هي باب لفهم المعارفـ الحديثة من مصادرها الحقيقية، فالأجنبي هو من يخترع ويبتكر ويقوم بالدراسة والتجارب ، واللغة والإلمام بأساليب الترجمة سبيل لفهم ذلك، ونافذة لمعرفة الجديد في التخصص.. 

دائماً أنا أطالب بالتحرر من نمطيات التعليم المألوفـ وأصر على تحرير العقلية من قيودها المألوفه ،هذا ما يجب أن يتم ؛فـ ثورة العصر ما ترحم ،وكل معرفـة قديمة من منظور ورؤى العالم الإفتراضي غير مقبولـة ،فالتحديث التلقائي مُستمر وما عفىٰ عنه الزمن أصبح مُستهلك لا جدوى منه.