هذا المقال عرض مبسط لمقالٍ اخر للدكتور مصطفى محمود يعرض فيه افكار عن الاذلية الإلهية و الوجود والعدم و بداية الخلق، مستشهدا بآيات من القرآن و بكتابات الامام الصوفي (ابو العزايم) والإمام (ابن عربي ) و هو مقال بعنوان (الأنا) من كتاب (السر الأعظم).

ان الكون ليس باذلي، بل هو محدود بوقت، قبله لم يوجد الكون. وكان لا وجود غير الوجود الالهي اي وجود الله عز وجل .. لا مخلوق ولا كون ولا زمان ولا مكان .. الله فقط، اي يُحتكر الوجود لله.

ثم بدأ الخلق .. و خلق الله الارواح كلها، وحين نأتي للانسان فان الانسان مكون من روح وجسد، اما الروح فمن الله (فاذا سويته ونفخت فيه من روحي).. اي انها حاملة لصفاته.. وهي صفات الجمال و الرحمة و السماحة و الشدة و الطيبة والكرم و كل ما يمكن ان يتصف به الانسان من صفات هي كاملة لله، اي انها منسوبة لله و لكن الصفة بمُطلقها و كامليتها .. اي ان الله ليس رحيم بعض الشئ بل هو الرحيم بشكل كامل، رحمة كااملة مطلقة .. و عفو كامل مطلق، فكل العفو لديه اي ما وجد من العفو فهو عنده و هكذا جميع صفاته حتى المتضادتين. وكذلك الانسان يمكن ان يكون رحيم و كريم و طيب و كذا ولكن على قدر استطاعة كل حامل لما يحمل، اي ان كلما رحبت النفس و ارتقت الروح .. كانت اقرب لاصلها و هو الله. اما اذا استولى الجسد و طغت الغرائز و الشهوات .. وقع الانسان في الظلمة المحلكة و ابتعدت الروح عن اصلها و تهالك الانسان في الدنيا و في المادية الصرفة.

و لما خلق الله الارواح كلها جمعنا في مشهدٍ واحد يشهدنا انه الله ؛ (إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِىٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُواْ بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَآ ۛ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ) .. (سورة الاعراف) و هذا المشهد و الميثاق كان في الازل .. اي قبل خلق الزمان و المكان، حينها كانت كل نفسٍ في طورها النوراني او الروحي و هذا المقصود باحسن تقويم ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) .. (سورة التين).. وبعدها دُبت الارواح في الاجساد و هذا معنى رددناه لأسفل سافلين، اي وضعت الروح في وعاء طيني مادي شهواني. 

وكما ذكرنا ان كان الله قبل الخلق يتفرد بالوجود، أحدا صمد قائما بذاته، فهل كان من الأذل وحدة وجود وحيدة و هو الله؟ و كل شئ اتى منه .. فيكون بذلك عابدا لنفسه .. ويكون التكليف والحساب والجزاء علامات استفهام لا معنى لها؟!! 

ام هي ازلية ثنائية ..فهناك الله و هناك ماسوى الله دائما وابدا.

يقول ابن عربي ؛ ( لا يمكن نفي السوى مطلقا، فالسوى ثابت و لا يمكن ان يكون العبد عين المعبود) 

فيما معناه ان ماسوى الله كان هناك منذ الازل مثلما كان الله هناك منذ الازل، و لكن ماسوى الله (اي المخلوقات كلها) لم يكون في هيئة وجودية، اي كان في العدم قبل ان يفيض الله عليه بوجوده المطلق. و العدم عند ابن عربي ليس معدوم مثلما العدم عند كانط. ولكن يمكن اعتباره بعد اخر .. ولكن بعد لا يتصف بصفة الوجود، اي انه بُعد غير موجود ( اي عدم) وهذا مفتاح اللغز صعب الاستعاب.

ولله القدرة على الإحاطة بكل شئ .. الموجود منها و الغير موجود، و قبل بداية الخلق لم يكن موجود سواه منذ الازل .. اما الباقي ففي العدم ( ولكنه ازلي كذلك)، ولكن الفارق ان الله محيط بنفسه و بوجوده اي يرى نفسه ويعلم بها، اما جميع الاعيان و الذوات تجهل نفسها و هي في العدم قبل ان تصبح ممكنات، فعلم الله ميولها للوجود و اشتياقها بان توجد، فرحمها بان افاض عليها من وجوده واسمائة وصفاته، فاصبحت موجودات و هذا ما يعرف بالخلق.

 وقبلت كل نفس من هذه الاسماء والصفات على قدر استعدادها، فالنفس الخنزيرية اتت خنزيرا و النفس الطاووسية اتت طاوسا. "و ما حكمنا عليكم ولكن هكذا كنتم" هكذا يقول الله للكل يوم القيامة. وبهذا يكون الحساب و الجزاء منطقيا، فان النفس الشريرة لم يحكم الله عليها بالشر ، بل هي وهي في طورها العدمي قبل الوجود مالت بان توجد في هذه الصورة .. فصورها الله بها، (فألهما فجورها وتقواها) ..(الشمس)، فهو الهمها الاثنين قبل ان يُلبسها ستار الوجود، واختارت هي الفجور.

ولاختصار كل ما سبق .. الازلية ازلية ثنائية .. كان الله و ماسوى الله دائما وابدا منذ الازل. و لكن تفرد الله بصفة الوجود فلم يوجد غيره احدا صمدا قائما بذاته دون ان يخلقه احد او يوجده احد ، اما باقي الكائنات والمخلوقات و الأنفس ازلية كذلك ، و لكن في بعد اخر و هو بُعد عدمي لا يتصف بالوجودية، اي كل ما خلالة غير مُدرك لذاته، و كان الله مُدركا محيطا لذاته في وجوده و لذوات المخلوقات في عدمهم. فافاضى عليهم من وجوده و اخرجهم من العدم الى الوجود، فاصبحوا مُدركين لانفسهم وذواتهم، ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا).

وبهذا تكون الازلية ثنائية و الرب ربٌ ازلي قائما بذاته غير مُحتاج و العبد عبد ازلي فقير مُحتاج، فاحتاج هذا العبد بان يُخرج من العدم للوجود او من الظلمات الى النور ، فافضى عليه الله بالرحمة و اوجده. اي اننا مُحتاجين لله حتى قبل ان نوجد.