في يوم من الأيام أصدرت أثينا حكماً بنفي أبيلكون بسبب سرقته لأصول قرارات الشعب القديمة ، أبيلكون الذي كان من زمرة الأغنياء المنتمين إلى الطبقة العليا في أثينا وقد شغل وظيفة رئيس مصلحة صك العملة وكان يهوى جمع اللفائف القديمة لذلك ليس من الغريب على مسمعك الآن نفيه وعزله عن منصبه ، ولكن هذه الهواية الغريبة وهذا الإدمان لجمع لفائف الكتب القديمة وإن كان قد أودى بمنصبه وأدى إلى نفيه عن موطنه إلا أنه حمل في طياته إنجازاً كان واحداً من أهم أسباب قيام الحضارة الغربية.

قصتنا تبدأ عندما غادر أرسطوطاليس أثينا بعد أن مهدداً بتهمة التجديف وكان أرسطو-بالنسبة لمعاصريه- واحداً من فلاسفة كثر في عصره وكان الفلاسفة يبدون كمجموعة غريبة فلم يُروا من قبل الكثيرين بوصفهم أبطالاً للفكر وإنما أقرب إلى مجموعة من المجانين ولذا ليس من الغريب أن فُقدت أعماله بعد ما يقرب من أربعين سنة من وفاته.

كان نيليوس وذريته أناساً بسطاء لا يهتمون بالأمور الفلسفية (مبيحبوش يوجعوا دماغهم) واهتموا بأمور الفلاحة وكانوا قد خزنوا لفائف البردي في أحد الأقبية ، هذي اللفائف اللتي ورثها نيليوس عن أرسطوطاليس فكان هو نفسه آخر من عرف أرسطو شخصياً ، ثم مات أولاد نيليوس وأولادهم وأحفادهم وأصيبت اللفائف اللتي في القبو بالرطوبة والبلل وبدأت في التعفن ومن هنا يدخل أبيلكون (بطل قصتنا) إلى مسرح الأحداث.

ما إن وصل لسمع أبيلكون أنه توجد بعض لفائف الكتب القديمة على الجانب الآخر من للبحر في آسيا الصغرى (تركيا اليوم) وتحكي المصادر أنه سافر إلى مدينة سكيبسس ووجد المخطوطات في القبو الذي وضعوها فيه ورثة نيليوس وكانت قد تضررت بشدة ولكن كانت ممكنة القراءة بالكامل ، ومن ثم اشتراها وأحضرها معه إلى أثينا التي -لسوء حظه- كانت قد حوصرت وأٌخذت من قبل القائد الروماني سلا ومن الممكن أن يكون أبيلكون قد قُتل إبان المذبحة التي حدثت حينذاك.

كان أندرونيكوس عبداً يونانياً مثقفاً وكان تابعاً لسلا ذلك القائد الذي نهب المدينة وأخد خيرها ولكنه ترك لنا خيراً أعظم حيث استحسن مكتبه أبيلكون وأودعها في يد أندرونيكوس الذي قام بترتيبها ونسخها ونشرها ، وكان هذه النصوص عبارة عن مجموعة ضخمة تزيد عن مئة كتاب ويقال أنها تمثل فقط قرابة عشرين في المئة من الأعمال التي يقدر أن أرسطوطاليس قد كتبها.