هل هلال رمضان بموائد إفطاره الممتلئة الكريمة حد التخمة، فأعتلت  التهاني المنصات الإجتماعية الواقعية و الافتراضية كما كل سنة،غير أن التراندات الرمضانية لا تكف عن التكاثر الموسمي ككل عام. وصيحة هذا العام  اكتست طابعها التنافسي داخل حلبة صراع يتوسطها  الشيخ و الشيخة  فإنقسم مجتمع الفيسبوك إلى فريقين ، فريق يدعم الشيخ وفريق يدعم  الشيخة،وجماهير تهتف وراء شاشتها تارة شيخا وتارة شيخة ، فكانت استراتيجية جمهور الشيخ الوعض والإقتباس من النصوص الدينية، أما جمهور الشيخة فقد كان الميمات والنكات سبيلهم .وهرج مرج في الفضاء الأزرق وكل يدلي بدلوه.

 جماخير تدعم الشيخ الآمر بالمعروف والرافض للتطبيع مع الشيخة، وآخرون لا يرون في الشيخة إلا فنانة شعبية تبث الفرح والبهجة  في كل النفس.. .

« يا الغادي العلوة أجي نوصيك بعدا إلا لحكتي سلم فالعلوة لا تكلم... مالي ياربي مالي مالي من دون الناس واحد ملكو هاني وانا بايت عساس... "

 بألحان مبهجة شعبية  تبدأ فاطنة بنت الحسين أغنيتها الشهيرة" العلوة" والتي تفرض هيبتها الموسيقية  وإيقاعها الراقص على جسدك، وما على جسدك إلا اللإمثتال رقصا رغما عن كبرياءك الأخلاقي. فمهما استكبرت أخلاق الواعض الخانقة فلن تقتل ترددات تلك الأنغام الجميلة التي تزركش مسامعنا بذبذبات تذكرنا بالأعراس  و"المواسم"  والأسواق الأسبوعية المدخنة برائحة الشواء وأغاني العيطة، والتي إن لم تذكر هذا بطفولته، ذكرت ذاك  بأيام ربيع شبابه المزهرة، حيث ريح قفاطين النساء الغالية المبجلة تسمح الأرض بكامل تواضعها، حيث يعتمد الصبي قاعة العرس ساحة للركض إلى أن يصيبه العياء و يستلم قطعة خبره المملوءة بمرق الدجاج المحمر والبطاطس المقلية، ليأكله ويغط في نوم عميق على إحدى كراسي "دار العرس"، وبقدرة عجيبة ينام هذا الصبي المزعج رغم صوت  تلك "الشيخة".

تلك المرأة الشرسة  المرحة، الحادة الطباع، التي  تقف أمام شخصها فيتعصي عليك فهمه وتحديد نوعه، شخص يشوبه الغموض وتعلق حوله الاستفهامات والتعجبات ، امرأة مغرمة بكل  معالم الرقص والغناء، عاشقة لقلم كحلها وجرأة حمرتها، محبة قفاطينها وخشخة حلييها. تمزج في شخصها الفريد شراسة وأنوثة "المرأة الحرشة"، تقف متأملا أمامها ولا تجرأ عليها ،هكذا هي الشيخة احبها من احبها وكرهها من كرهها، يفرح الجميع لوجودها ايام الفرح وتستنكر خارج سياقه، فتربط آنذاك بالمجون والليالي الحمراء.

فالشيخة لمجرد كونها امرأة من وسط شعبي يمنعها هذا من أن ترتكب مخالفاتها الإنسانية ، والتي قد يرتكبها فنان الجازو والبلوز أو أي  لون آخر، غير أننا نفصل حينها بين فنهم وشخصهم الا ان الشيخة تظل  "شخصية" وينظر لها كشخص سواء داخل العمل أو خارجه ، لتخللها الوسط الشعبي الغير المدرك للفرق بين الممثل ودوره و الفنان وشخصه.

فيبدأ- الدعاة إلى الله في حسبهم- لعن كبائر النساء وزلاتهن وشيطنة معالم الفرح والزينة و تمجيد القبح واستهجان الجمال وتقاليد الفرح. فما يبقى لنا حينها  سوى  الحرام المحرم ... وما يجوز وما لايجوز، ما لا يجب وما ينبغي... فتتقيئ المعاجم فجأة جميع مرادفات جهنم وبئس المصير، وتحذيرات الوعد والوعيد، هنا وهناك تحبس أنفاس ذلك الإنسان المغربي  البسيط ، الذي اتخذ الإسلام دينه فاعتدل فيه، صلى وصام وصدق وأكرم وأحب الله فخافه، فما أحتاج  لمن يصل بينه وبينه خالقه، وإن كان ولابد فلا زالت في ذاكرته صورة ذلك الفقيه البسيط بحلته البيضاء النقية المصلي لخمس صلاوات والحامل لكتاب الله في صدره، يأتيه الباكي فيطمئنه، يأتيه الشاكي فيرشده، ويمسح على رؤوس الصبيان فيعلمهم القرآن في "المسيد "،الداعاي إلى الهداية في سره .

الفقيه الرافع لكلام الله تحت قبة المساجد المعطرة بالمسك و  البخور، المفروشة بما قل ودل، والمبنية على أياد المحسنين المتبتلين إلى الله، المحبين  لصوت الآذان و الأمداح، و تلاوات قرآنية مغاربية  تشي بلحظة تزف فيها العروس إلى زوجها بعد "الفاتحة" لتتبعها زغاريد "مولات الدار"، و تلاوات  أيام العيد الرسمية،  و التي تأتي بعدها المقاطع الأندلسية المبهحة المرافقة لإجتماع العائلة على مائدة إفطار العيدين، فتتزاوج العوالم ويصير الواقع واحد غير منفصل عن نفسه كأنه طبق بسطيلة يحمل في طياته مذاق المالح والحلو، كأنه واقع يقبل نفسه وكونيته بسالبها وموجبها واقعا معتدل داخل مصفوفة، فيها  ذكر وأنثى ، ليل ونهار، بر وبحر، سالب وموجب، شيخ وشيخة.