لا أعلم ما الذي جعلني أتذكر تلك الحادثة التي حصلت لي قبل عدة أعوام, فلقد تعرضت حينها لأشد أنواع "التنمر الالكتروني" من أصدقائي على "مواقع التواصل الاجتماعي", لبثت بعدها ردحاً من الزمن فاقداً الرغبة في التواصل مع من هم حولي من البشر لا بل انطويت على نفسي ودخلت في صراع محموم معها, فهي تدعوني الى الاختلاط بالناس وهذه هي فطرتها وانا أشدُّها وألجمها خوفاً من تكرار تلك التجربة المرعبة.

مرت عدة أشهر وأنا في حالة من التخبط وعدم الثقة بالنفس, ثم قررت ان أقوم بحذف جميع الملفات المتعلقة بتلك الحادثة من دماغي بعد صراع شديد. في الحقيقة أشعر أنه كان يجب علي أن أقوم بأرشفة تلك الحادثة بكل تفاصيلها في ذاكرتي لكي أتمكن من مجابهة هذا الخطر في المرة المقبلة, وربما كان هذا الإلحاح الشديد الذي اتعرض له من قِبل عقلي هو ما جعلني استرجع تفاصيل تلك الواقعة.

غالبا ما يتملكني شعور أن من يُمارس أسلوب التنمر الالكتروني على أقرانه من خلال "التكنولوجيا" المتاحة له ما هو إلا وحش على هيئة أنسان, فهو عندما يقرر أن يهجم على فريسته مستخدم أبشع الألفاظ ومُنتقياً أسوء العبارات الساخرة هنا وفي هذه اللحظة يتجرد هذا الشخص من إنسانيته, وصدقوني أنا لا ابالغ في ذلك الوصف لأنه بذلك التصرف يوجه مخالبة المسمومة - الكلمات - ليشٌّل بها حركة فريسته فتصبح غير قادرة على التفاعل مع محيطها منطوية على نفسها خائفة من ردود أفعال من حولها.

ما هو التنمر الالكتروني؟

هو حالة من الضرر المعنوي المباشر لمشاعر شخص ما وعادةً ما يكون هذا الضرر على هيئة مزاح, يقوم من خلالها المتنمر بتشوية صورة ضحيته أمام أصدقائها عن طريق السخرية منها أو معارضة كل ما يصدر عنها من اراء واقتراحات وكل ذلك عبر "الانترنت".

تكمن خطورة هذا النوع من التنمر في أمرين اثنين الأول هو أن الضحية لا تعلم المبررات والدواعي لكل هذا الكم الهائل من الرسائل السلبية الموجهة ضده, فتدخل في دوامة وصراع مع نفسها هل كل ما يقال عنها صحيح أم هو نوع من المزاح ؟

ثانياً حق الرد والدفاع عن النفس هي المساحة الوحيدة التي قد تجد منها الضحية المتنفس لتخفف عنها الاثار المترتبة على هذا النوع من التنمر وفي اكثر الاحيان لا تجد الضحية المجال لذلك, يكفي ان يقوم المتنمر بحظره من المجموعة لتبدأ المعاناة.

بماذا يشعر المتنمر عندما يقوم بهذا العمل

تختلف الاسباب التي تؤدي بالشخص الى ان يقترف مثل هذا العمل المُشين في حقك, فأنت قد تواجه شخصاً يتنمر عليك لمكانتك بين اصدقائك ومنبع ذلك السلوك العدائي هو الغيرة, وقد تجد اخر يشعر بالحسد منك لأنك تمتلك شيء مادي لا يمتلكه, بل قد تواجه شخصاً لديه من الهموم والمشكلات ما تجعله يُفرغ جام غضبه عليك والامثلة كثيرة في هذا السياق, ومع ذلك كله فإن جميع من سبق ذكرهم يشتركون في شعور واحد عند رؤيتهم لفريستهم وقد انهكها التعب إنه الشعور بالراحة والرضاء بما تم انجازه, لست ادري هل تتفقون معي او لا لكني كنت ارى ذلك الشعور في أعين اصدقائي كلما مررت بجانبهم حقاً انه شعور سيء.

ضحايا التنمر الالكتروني

تشير الارقام الواردة في التقارير الى ارتفاع كبير في نسب التنمر بين الاطفال والمراهقين حيث اوردت صحيفة الشرق الاوسط أن التنمر بين شريحة الاطفال قد بلغ نسبة 47% بينما بلغت عند المراهقين 25% في السعودية فقط خلال العام 2019 وهذه ارقام صادمة يجب النظر اليها بعين الاهتمام.

ولا نستبعد ايضاً شريحة البالغين حيث تشير الارقام في التقارير الى أن 7 شباب من بين كل 10 قد تعرضوا للتنمر الالكتروني, يجب ان لا نستغرب كل هذه الارقام المخيفة نظرا لانتشار مواقع التواصل الاجتماعي في ظل غياب الرقابة عليها من قبل الجهات المختصة واولها الوالدين.

في الأخير لا يجب علينا أن ننظر الى هذه الظاهرة على انها شيء عابر او حالة زمنية ما تلبث ان تمر, ان ما يُحدثه التنمر من أثر بالغ على النفس قد يُنتج لنا في المستقبل جيلاً منطوي على نفسه لا يثق بمن حوله ليس له من الحياة سوى مأكله ومشربه. نعم يتعافى من تأثيره الكثير إلا ان المتبقي منهم سوف يظل حبيس هذه التجربة.