أربعة خيارات متاحة أمامكَ في ظل الحرب، حيث الأوضاع الاجتماعية والسياسة السيئة.. هذا ما تفرضه أمامنا رواية الهجران لسومر شحادة المطبوعة حديثا والصادرة عن دار التنوير/ مصر.
إما أن تموت منتحراً تماماً كما اختار عبدالله وهو شخصية ثانوية لم يركز عليها الكاتب كثيراً وكأنه كان يحاول أن يعتبر أن أشياء أخرى أكثر فتكاً بالداخل الإنساني من الموت.
الخيار الثاني أن تكون لطيفاً أكثر مما ينبغي، غبياً أكثر مما ينبغي، بارداً ومتحفظاً أكثر مما ينبغي أيضاً كما بدا زياد وهو الشخصية الأساسية في الرواية التي احتاجت بطبيعة الحال إلى بطلة ثانية لترميم فراغ قد يحدث بين صفحاتها..
الخيار الثالث أن تفقد مبادئك والتي قد تتفاوت بين شخص وآخر ولكن ركز سومر على المبادئ الثابتة تلك التي لا يمكن أن تخدش بطريق الخطأ أو أن يحدث نقاش حولها وهي مبادئ التزمت برسم دائرة حول الأنثى مهما كانت، دائرة تضيق عليها كلما كبرت وكلما تحولت من كائن غير ناضج جسديا إلى أشد نضجاً
تحولت جوري من شخصية عابرة في الصفحات الأولى إلى شخصية أساسية بعدما كان خيارها الثالث أن تنفق جسدها كما يحلو لها، أن تترك نافذة في مكان ما، يستطيع جنونها أن يشاهد ويرى وأن يقفز منها إلى الخارج، وتمكنت بعدما تراءى لها أنها تحب، أن تكسر الدائرة التي أحاطت بها منذ كانت طفلة، بيد أنها لم تكن تتمرد بقدر ما كانت تضيع.
يظهر لنا الكاتب خيارا رابعاً، أن تهاجر وتنجح وتتألق وأن تلف الغربة في حقيبة ضيقة وتعود إلى حيث تركت انكساراتك، ظناً منك أنك تفوقت على الحرب وكل الأشياء السيئة الأخرى من دمار ووضع اقتصادي سيء وأحلام مبتورة..
ما قام به الكاتب من خلال تلك الخيارات هو أن يعطينا فكرة مسبقة عن فشلها، عن قوة الضعف في داخل كل إنسان مهما كان عصياً على الانكسار والخذلان.
وما الهجران كعنوان سوى صفة مرادفة للخذلان
ومرادفة للقهر وللكبت
لم تتأرجح رواية سومر شحادة بين زمنين مطلقاً
لقد جنحت نحو أكثر من زمن، منذ ١٩٨٢م وما قبلها بسنوات عديدة وبعدها بسنوات كثيرة بل وتخطاها جميعها فتنبأ لنا بمستقبل يشبه كل ما كتبه
جاءت الهجران كي تؤكد على هشاشة المجتمع السوري، هشاشة البنية الأسرية، البنية العاطفية، البنية الدينية التي لم تنقذنا من رغباتنا وإنما ؛إما زادتها كبتاً وقلقاً وإما حررتها بشكل مبالغ فيه.
ما الذي أراده سومر شحادة في الحقيقة أن يقول لنا؟
هل أراد أن يتحدث عن الحرب؟
هل أراد أن يقدم لنا قصة حب رغم كل الصعوبات؟
هل أراد أن يجري بنا نحو أوجاعنا التي حفظناها عن ظهر تاريخ؟
كقارئة عادية فأنا شعرت أنه تحدث عما يدور في رأسي عبر جميع شخصياته، كل واحدة على حدى تعالج زاوية معتمة شكلّها المجتمع الشرقي وفق قواعد دينية واجتماعية باهتة الملامح، جميعنا تلك الشخصيات إن صح التعبير.
وإن كان التزام الكاتب بالسرد في أغلب الفصول يجعله يشبه غيره من الكتّاب الشباب الذين يجنحون للغة السردية أكثر من (ملاحقة) الحقائق والتفاصيل الحياتية الخالية من لغة شعرية فائضة..
إلا أن حاجة الرواية إلى هذه اللغة كانت حاجة حقيقية إذ أن ثمة شاعرية مميزة تقودنا من ذراعنا نحو منعطفات كنا قد تناسيناها وهي مداخل حقيقة نحو الذات الإنسانية كعلاقة أي شخص عادي بالطبخ أو حتى علاقته بجسده وهي علاقة تعد شبه معدومة عندما نعالج المواضيع الأهم، المواضيع التي تتشابه لدى جميع الأسر السورية.
لقد أطلق سومر شحادة العنان لصراخه الذي عبّر عن ضرورة حدوثه عبر واحدة من شخصياته عندما قالت:" كان عليّ أن أصرخ"
صرخ عبر أكثر من شخصية، وبطبيعة الحال أعتقد أننا سمعنا صراخه جيداً.
شذى كامل خليل/ سوريا
التعليقات