ليلى كمال عزت الجعبري، ابنة جنين المثقفة، التي تسكن في بلدة اليامون، وتعود أصولها إلى مدينة الخليل، (32 عاماً)، المولودة بتاريخ (1 ديسمبر/كانون الأول 1986)، تزوجت ولم تُكمل صفها العاشر. هذه الشاعرة التي جعلتنا نستشعر بلذة الحرف الروحي، ونثرت كلماتها بطريقة تلامس شغاف القلب، كتبت بروحها ليصل إلينا حرفها فيستقر في أنفسنا، جمعت نصوصها وقصائدها بين الحب والاشتياق ممزوجين بنكهة الكبرياء.

فتراها تارة تقول: «شفاهك المخملية بوصلة تأخذني على محمل الجد»، لتعود تارةً أخرى بروح مسّها حزن بنكهة الجمال الذي يرسمه بهذه الهيئة، فتخاطبنا قائلة: «أنا ابنه الحكاية العاقرة، أنجبني فم مؤرخ أخرس قطعوا أنامله…»

أبدع قلمها في النثر فأخذتنا عنوة عنّا بين خفايا النص، وأجبرتنا أن نخرج منه إما مهزومين أو منتصرين.

نشأت في بيت مكون من سبعة أفراد، 4 إخوة من الذكور، وشقيقة واحدة (منال)، وعلى الرغم من وجود عائلة كبيرة فإنها عاشت في منزل جدتها الذي كان يبتعد مقدار خطوة ونصف عن منزل والدها، ولَطالما حلمت أن تنام بين إخوتها يوماً واحداً، ولكن كان هذا الحلم ممنوعاً.

كانت ليلى أكبر وأوعى من جيلها، ربما لأنها تربَّت على يد شخصية قوية جداً، جدتها التي شبّهتها بـ (أم جوزيف)، في مسلسل باب الحارة، تقول ليلى عن جدتها: «امرأة قوية جداً، لا أحد يستطيع هزيمتها مطلقاً، ولا أحد يستطيع إنزال كلمتها أرضاً»، وكانت تخفي في منزلها الشباب الذين يتحصنون من قوات الاحتلال في الماضي، إلى جانب ذلك أيضاً تمتعها بفصاحة اللسان ولغة عربية فصيحة جداً.

كانت جدتها تلجأ إليها لتعلمها قراءة القرآن الكريم، وتُعلمها كيف تصل إليه من صفحات القرآن بثني الورقة بطريقة معينة.

تقول الجعبرية إن والديها كانا منهمكين في العمل للخروج من صعوبة الحياة، وكانت والدتها تذهب للعمل في أراضي 48 نظراً للظروف المعيشية القاتلة، أما والدها فيحبها كثيراً، لكنه كان يكره ذلك الإفراط السخيف في إظهار المشاعر، يكره تلك العواطف التي قد يتخللها الضعف، قائلاً: «لا وقت لذلك»، لكنه كان يُميزها عن باقي إخوتها.

بعيون مليئة بالدموع تتحدث عن والدها، هو المشجع الأول، والهدام الأول في حياتي، كان يقول لي أنتِ ستصبحين صحفية أو مذيعة «أنتِ بدك تصيري شي كبير مستقبلاً»، ولكن هذا الحب لن يعوضني يوماً عن حرماني من النوم بين إخوتي وقضاء النهار بينهم، كنت أتمنى دوماً أن مع الفرشة الرابعة يصبح هناك خامسة…

كان والدها يقرأ ما تكتب ويحب ذلك، كان يحاول أن يعوضها عن الألم الذي عايشته وتعيشه، تذكُر ليلى يوماً أن والدها منحها 500 شيكل، وبعثها لتشتري لنفسها ما تريد، كان هذا المبلغ خيالياً في تلك الأيام البائسة، فتسوقت لنفسها شيئاً من الملابس، واشترت لإخوتها الكثير من الأشياء، وعندما عادت إلى المنزل رأى والدها ما اشترت، صرخ فيها قائلاً: «هذا المال لكِ، وليس لهم».

تضيف ليلى: «أنا أعلم جيداً أن والدي يحاول إرضائي وتعويض شيء ما، ولكن الحرمان دائماً يكون أعظم من التعويض، ولا شيء قد يصلح النقص بأكمله».

القفص الذهبي

عادت الطفلة من مدرستها يوماً وهي تحمل حقيبة أحلامها وطموحاتها وأمنياتها على ظهرها، وتحمل قلباً أبيض نقياً، وطاقة خلاقة، وانفتاحاً ونشاطاً وآمالاً وأقلاماً، ودخلت المنزل لتجد جيرانهم قد جاؤوا لزيارتهم.

الظروف جرت بمجراها التقليدي، وبحكم المتعارف عليه تركت ليلى المدرسة؛ لأن النصيب قد جاء وطرق الباب.

تأخذ نفساً عميقاً وتقول: يوم عقد قراني جلست في غرفة مهجورة لمدة 7 ساعات، فأنا طفلة لا أعرف شيئاً عن الزواج، وماذا يعني ذلك الزواج؟

سكتت قليلاً، ثم أجهشت بالبكاء، صارت تتكلم ودموعها تسيل على خدها الأسيل، تتكلم ولا تريد أن تقف عن الكلام، قائلة: «هنا في القلب تراكمت أشياء كثيرة».

تروي ليلى: «الزواج والارتباط يُحَجم الأنثى، (يكبرها)، لكنني واجهت كلَّ هذه الصعوبات، أنا إنسانة متفائلة جداً، وأريد أن أعكس هذا للبشر».

وتكمل بحماس: «أمتلك حسَّ الفكاهة، ولا أحب جلسات الكآبة والحزن، فتلقائياً وجودي في مجلس ما كان يعم المكان بالابتسامة والضحك».

تسرد ليلى: كان والد زوجي رجلاً صارماً، العابس الذي لا يضحك، ولا يحب الفكاهة، وفي يوم سألني في حوار: لماذا لا تتشاءمين؟ فأجبته قائلة: «أنا ما بتشائم، حتى في عز أزمتي بتفائل».

وهذا ما تفعله ليلى الآن في جمهورها، حيث ترتسم البسمة على شفاههم، وتعلو البهجة وجوههم حال طالتها عيونهم أو سمعتها آذانهم.

الأمومة للمرة الأولى

بصوت متعَب، لكنه يموج بألوان الفرحة، تتحدث ليلى عن مشاعرها قائلة: «عندما علمتُ بحملي الأول جلست وحيدة في زاوية المنزل، تعايشت حالة من فوضى الحواس، أبكي والدموع على فمي، وأصرخ، طفلة تحمل بداخلها طفلة، كيف لهذا أن يحدث؟»

وكنت أعلم أنني أحملُ داخلي أُنثى، أثناء الحمل كانت ضحى هي شغلي الشاغل، كنت أتُوق إلى رؤيتها بشدة، ولم أستطع منعَ نفسي عن التفكير فيها طوال الوقت، فكنت أسأل نفسي أسئلة مثل: هل هي مرتاحة داخل بطني، أم أنني أضايقها بحركتي أو طريقة جلوسي مثلاً؟ هل الأصوات التي أسمعها من حولي تزعجها؟ كيف تتحرك، وما الوضع الذي هي عليه؟ هل ستُشبهني أنا أم ستشبه أباها؟ وإن كانت صور الأشعة فوق الصوتية التي كنت أجريها أثناء الحمل تُظهر أنها جمعت في ملامحها بيننا نحن الاثنين، وهذه هي الحقيقة».

لحظات جميلة لا حصر لها عاشتها ليلى أثناء الحمل، لكنها تختار من بينها أكثرها تميزاً، تقول: «من أجمل اللحظات تلك التي كنت أشعر فيها بركلات ضحى، وأيضاً عندما بدأت في التسوق لتحضير ملابسها».

المرأة الناضجة

تمتّعت الجعبرية بجرأة المرأة الناضجة التي لا تخشى شيئاً، على الرغم من البيئة التي عاشت داخلها، وما فيها من ضيق الحي واختلاط الجميع ببعضهم البعض، وفرض المجاملات.

كانت القراءة هي فصولها الأربعة، من خلالها استطاعت التغلب على الشعور بالغربة عن النفس، كانت تدخل إلى عوالم مختلفة كبيرة وصغيرة، متعدّدة الألوان والأشكال والروائح، ورغم أن طموحها كان قد بلغ عنان السماء فإن حظها أسقطها إلى سابع أرض.

توقيع الديوان

بابتسامة الانتصار تتحدث ليلى، يوم مميز في حياة أي كاتب بلا شك «يوم حفل توقيع الديوان الأول» تعمّدتُ أن أنام لساعات طويلة؛ حتى أكون بكامل طاقتي صباح يوم توقيع الديوان، والذي يحمل عنوان «جرعة مورفين»، (نوع من أنواع المسكنات للأورام والسرطانات)، تشبه نفسها بالمورفين المسكن، أصرت على هذا الاسم بعد وفاة والدها بالسرطان، عَملتُ جاهدة حتى يتم توقيع الديوان بحضور والدي وعلى مرأى عينيه، لكنه توفي قبل طباعة الكتاب.

بكل الحالات الكتاب إهداء لوالدي؛ لأنه هو جمهوري الأول والداعم الأول، أول من قال لي ماذا تكتبين؟ اقرئي لي ماذا تكتبين، كان ينظر لي بالنظرة المدهشة، يتساءل: هل هذه حقاً ابنتي؟

تؤكد ليلى على أن الإنسان عندما يكون صاحب ملكة يكون لديه إحساس بالتنبؤ، وتضيف: «هذا ليس صدفة ولم ينتج عن صدفة، لا يوجد شيء اسمه صدفة، كل شيء يكون محسوساً ومقدراً».

توقيع الديوان

بفرحة تملأ وجهها تقول: «طبع ديواني الأول في تاريخ (15-7-2018) في دار أمجد للنشر والتوزيع والطباعة، في عمان-الأردن، وكان هناك عدد كبير من الكتاب المشاركين، شيء جميل جداً أن ترى نفسَك بين جمهور واسع ينظر إلى نجاحك، وكتاب كبار تنافسهم».

وتقول أرغب أن يكون الديوان الثاني يحمل عنوان مورفين والثالث والرابع… إلخ، سواء كان وجدانياً وطنياً عاطفياً هجاء مدحاً، شبّهته بجرعات مخففة للألم.

وعن حفل التوقيع قالت نجاحي الأول وانتصاري بعد كل الهزائم، وددت لو أنظر لجدتي وأقول لها ها قد أصبحت كاتبة، لقد أصبحتُ ليلى، أن يكون والدي بمحاذاتي ليرى أن ليلى الآن هي الصحفية الشاعرة، التي كان يركض من جريدة إلى جريدة كي ينشر لها نصاً قصيراً أو شبه قصيدة.

واستطاعت ليلى بفضل أعمالها الأدبية المميزة أن تحصل على شهادة (icdl)، من قيادة الحاسوب الدولية، من مركز النجاح للتكنولوجيا والتدريب، وبدأت ليلى أخيراً تتذوق طعم النجاح.

أبدعت ليلى في تأليف مجموعة من النصوص النثرية، في ديوان لمجموعة من شعراء جنين ونابلس، تحت عنوان «نداءات».