تطل علينا كل عام مناسبات اجتماعية وأعياد دينية مصحوبة - من المفترض بأفراح - تُنسي المرئ ولو لوهلة في كل الأحداث الدامية التي يعرفها العالم كل يوم ، لكن ظاهرة غريبة موطنها ومبعثها إلكتروني تلازم المناسبات كل عام ، ظاهرة إن لم تكن امتلكت أغلبنا ، على الأقل تكن أصداؤها وصلت مسامعنا ، ظاهرة ألا وهي ما يمكن تسميته ب " تبريكو-فوبيا " .
...
يقول أحد الشعراء واسمه كُثَيِّر :
حَيّتْكَ عَزّةُ بالتسليمِ وانصرفتْ *** فَحَيِّها مثلَ ما حَيَّتْك يا جملُ
ورغم أن هذا البيت الشعري بالجزم إن أعيد إلى سياقه لن يعني ما سأقوله عنه ، إلا انه إن تم بتره واستخدامه استثناء لِيَفي بغرض توضيح الفكرة ؛ يكن بَكُورة القول وخلاصة كل ما يمكن طرحه .
فمثلا ونحن في أجواء عيد اليوم ، نلحظ أن كثيرا من المُدوِّنين على مواقع التواصل الإجتماعي وعلى رأسهم موقع " فيسبوك " ، بنى عديد من رواده ومرتاديه جدار فصل ( قد يكون وقائيا أو عنصريا أو منطقيا .. قُل ما تشاء ) ، لكنه يبقى جدارا واقعيا فرضته الظروف أو بمعنى آخر فرضته التحولات المتسارعة .
لا نعلم بالضبط من أين أتى كل هذا وكيف نما حتى صرنا نسمع " لا أقبل مباركة العيد / الذي لا يكلمنا طيلة أيام السنة لا يحتاج ليبارك لنا هذا اليوم / أرجو من المتابعين عدم تكليف أنفسهم عناء إرسال أي رسالة تخص العيد / أرجو عدم إرسال أي نص منسوخ من مكان وإرساله لي / التبريكات غير مقبولة .. " ، فمعظم هذه الأقاويل قيلت وتقال - وربما ستزال تقال - سواء بشكل مباشر صريح أو بشكل مرموز يتحاشى معه المدون صدم أو التصادم مع متابعيه أو مُحِبيه .
ولعل الملاحِظ يرى أن هذه الظاهرة تنتشر - بالفيسبوك - على مستوى الحسابات الشخصية أكثر منه على مستوى الصفحات ، خصوصا وأن صفحات المشاهير لا يتوانون عن إستغلال مثل هكذا فرص ؛ لإحياء صلة الرحم مع متابعيهم أو حتى إستعراض صورهم وتحركاتهم وآخر وجهة استقرت بها أقدامهم .
فظاهرة " التبريكو-فوبيا " وهي أن المرئ لا يجد ضالته أو لذةً في مباركة العيد خصوصا على المواقع أو على الأقل لا يريد الإكثار من الأمر ، والذهاب في اتجاه تكرار المسألة كثيرا ، فالظاهرة آخذة في الزحف على الحسابات والمجموعات الإلكترونية ، وربما حتى التجمعات الواقعية ، لكنها ربما تبقى رهينة المواقع حيث تستمد قوتها وحيث كانت نشأتها .
وقد يكون من بين أسباب نمو وتنامي هذه الظاهرة ؛ أن مواقع التواصل الإجتماعي ومنذ النشأة ، راهنت على مبدأ " التواصل " كعنصر أساس في سبيل كل ما حصدته من نجاح ، إلاّ أنّها وفي الآونة الأخيرة يلاحِظ كل مرتاد لهذه المواقع كيف أن هذا المبدأ - أي التواصل - فشل أو يسير شيئا فشيئا إلى الفشل .
يأتي هذا على إعتبار أن التواصل المباشر بين الأعضاء عبر الرسائل قل جدا ، خصوصا في صفوف قدماء المستخدمين بالمقارنة مع البداية ، والدليل أن موقع " فيسبوك " مثلا ، يقوم بإرسال رسالة لكل الأصدقاء الجدد كوسيلة ذكية لمحاولة فتح حوار بينهم .
هذا وتُعد مسألة مباركة العيد من عدمه اليوم حديث المجتمع الفيسبوكي ، خصوصا والأيام التي نعيشها ، أيام تبقى لها خصوصيتها ، الخصوصية التي أصبح يفتك بها هذا النقاش الذي وإن كان مهما طرحه من جهة إلا انه يبقى من جهة أخرى في الهامش .
وبالمناسبة أنا أحد المصابين ,, للأسف أو لحسن الحظ بهذه الفوبيا الجديدة !
فوبيا التبريكات أو التبريكو-فوبيا !
وأعرف جيدا معنى أن القيام بعملية مباركة العيد - وخصوصا على الفيسبوك أو مواقع التواصل بصفة عامة - كم هو شيىء مُمِل ، اللهم إن كان لقاءا مباشرا مع الشخص عندئذ يكون الأمر مقبولا وأكثر متعة من غيره من الممارسات الممارسة .
بمعنى أن التواصل بصفة عامة عن طريق مواقع التواصل قتل فينا عديد الأشياء الجميلة ، وفقدنا معه متعة المباشر ، ما جعل الفرار من التواصل في الوسائل الحديثة - التي تكلمنا عنها - أصبح شيئا واجبا في كثير من الأحيان وليس الفاعلون له مخيرين بأفضل منه ، لكنه ليس أبدا فرارا من الأشخاض الذين نقدرهم في الواقع ونحترمهم ونحبهم .
وهذا لا يعني في نفس الوقت ألا نرد التحية بأفضل منها ، لمن يرتاحون في تبريكاتهم بهذه الطريقة ، لكن القصد هو أن هذه الطريقة الإلكترونية تقتل حرارة الفعل أكثر مما تحييه .
...
وعلى العموم فالمناسبات الإجتماعية والأعياد الدينية مهمة ، لكن المشاعر الإلكترونية ربما أخذت نصيبها من الإنسان ، أو دعنا نكن صرحاء أكثر من ذلك ؛ نحن المصابين بهذه الفوبيا التي لا نحس معها بحلاوة التبريك أو مباركة العيد إلكترونيا ، هل فشلنا في إدراك المعنى !؟