وقعتُ مرّة على نصٍّ بديع لزكي مبارك في كتابه " الأسمار والأحاديث" يُقدّم فيه النُصح للكُتّاب، وقد أُعجبتُ بهذه النصيحة، لأنِّي وجدتها تُعبِّر عنِّي كثيرًا حين أمسح بعض كتاباتي لأنِّي لا أرتضي بلاغتها. 

تردّد زكي مرّة بشأن خُطبة كتبها، وأراد أن يكتب غيرها، لكنَّ ضيق الوقت أجبره على نشرها، وهي على ذلك أعجبت الناس. 

يستخلص زكي درسًا من هذا الحدث فيقول: 

وأنا أوصي نفسي وأوصي تلاميذي بالقناعة بما تجود به الفطرة، فليست البلاغة في الاحتفال بما نكتب وما نقول، وإنما البلاغة في الاستجابة لصوت الفطرة والطبع والوجدان.

ثمَّ يسترسل ويصل لنقطة بديعة، وجدتها هي السبب في نفوري من كثير من الكُتّاب: 

"والأصل في البلاغة أن نقدر على أن نشغل المستمعين والقراء بأنفسهم، ولا نصل إلى ذلك إلا حين نسيطر عليهم بقوة المعنى وقوة الروح، أما الزخرف فهو يشغل القراء والمستمعين بالتفكير في شخصية الكاتب والخطيب، وتلك غاية صغيرة لا تستهوي كبار الرجال.

الكاتب الحق يضحّي كثيرًا، فهو يُنسيك نفسه كما يعبّر زكي مبارك

والكاتب الحق هو الذي ينسيك نفسه ليشغلك بنفسك.
الكاتب الحق هو الذي يجعل وجدانك وعقلك وقلبك ميدانًا للمصاولات الأدبية والعقلية فينقلك من حال إلى أحوال.
أما الكاتب الذي يشغلك بنفسه وهو ينمق ويزخرف ويعتسف فقد يحولك إلى خصم للفكرة التي يحاول أن ينقلها إليك." 

لله درّ زكي مبارك! اختصر بهذه العبارات مشاكل كثيرة في عالم الكتابة، عندما تحاول أن تجعل القارئ يُفكِّر بأسلوب كتابتك، وينسى فحوى ما تكتب، فليست هذه كتابة بليغة، إنّها كتابة خالية من الروح!