"لطالما تساءلت، لماذا يقولون إن كنت تريد أن تطلب شيئاً من الرب ازحف إليه؟ لماذا يريد الرب تذليل عباده بهذا الشكل؟ فنحن جميعاً أبناء الرب، فأي أب هذا الذي سيقول لأولاده ازحفوا إلي وكل طلباتكم ستستجاب! هل قال لك والدك من قبل ازحف إليّ لأحضر لك ملابس جديدة؟" - بيكي -
منذ أن قرأت رواية "الإخوة كارامازوف" للكاتب الروسي فيودور دوستويفيسكي، وتعرفي على الإشكال الفلسفي الأبدي حول العلاقة بين الله والإنسان، يقول دوستويفسكي؛ "لن نعرف أبدا ما إذا كان الإنسان أوجد الإله أم الإله أوجد الإنسان"، وكما تقول جميع الأديان الحالية والقديمة، إن ثمن إكتشاف هذه الحقيقة المطلقة، هو "الموت" أي ما بعد الموت، إن الذهاب إلى الجحيم أو الجنة، يدل على وجود إله، وأما إذا لم يوجد شيء سوى العدم، ترجح الكفة إلى أن الإنسان هو من أوجد الإله.
قبل الحديث عن رحلة البحث عن اليقين، فيلم Pk أظهر لنا جيدا وبوضوح تام كيف يستغل رجال الدين الدين كرسالة سماوية لتحقيق مصالحهم والحفاظ على مكانتهم المقدسة، يقول "بيكي" بطل الفيلم؛ "البشر من أوجدوا الإختلاف بينهم وبين الأديان وليس الله"، كما يبين بطريقة أخرى كيف تعرضت الأديان للاستغلال التاريخي من طرف الكهنة والشيوخ والقديسين، وموطن الهند مكان مثالي لتصوير هذه الحقائق، ومن جانب آخر الفيلم مرآة منعكسة للمنطق اللغوي البشري، مثلا بعض الناس يقولون إنني أحب الشوكولاته! فهذا لا يعني أنه يحب مضاجعة الشكولولاته، بل هو يحب أكلها، مثل القول "إنني أموت من الضحك"، وكمثال للتوضيح مقتبس من الفيلم :
لماذا عندما يجدون الناس نقودا ضائعة يقولون "هذا لي، هذا لي" ولكن عندما يجدون واقي ذكري ضائع يقول الجميع "هذا ليس لي، هذا ليس لي"
كيف يقول شخص بصوت عال "لقد مارست الجنس اليوم"
لكن في حفلات الزفاف.. يوجد مفرقعات وفرق موسيقية ورقص، يبدو أنهم يقولون للمدينة بالكامل أنهم "سيمارسون الجنس الليلة..".
الفيلم يظهر هذا الجانب اللامنطقي في إستعمال اللغة البشرية والمبالغة في إستعمال هذه التعابير المفرطة.
الدين ترغيب وليس ترهيب!
قد يولد الإنسان في أسرة متدينة متشددة أو في عائلة لاتهتم للأمر حتى.. ويمضي الإنسان في دفع ثمن ذلك طيلة حياته وهو يتسائل؛ هل حقا أنا على الطريق الصحيح؟ في أي إله يجب أن أثق به؟ كيف سأعرف من هو الدين الله الواحد في ظل وجود أكثر من 3000 دين في العالم؟ هل من يولد يحمل علامة دينية؟ مثل المنتوجات المصنعة؟ كيف يقتلون الناس أنفسهم من أجل رب واحد؟ ولماذا يسمح الله حدوث ذلك وذاك؟ إن كان الله يسمع مباشرة، فما الحاجة لصنع تمثال له؟ والكثير من الأسئلة المعقدة التي يطرحها الفيلم، أين أنت يا إلهي؟
في عالمنا الديانة دائما تتعلق بالمظهر!
لو خرجت إلى الشارع الآن ولبست جلابا أبيض على الأقل سيعتقدون أنك مسلم، ولو أنك حملت صليبا فأنت مسيحي، وإذا جلست وتتأمل بهدوء في وضعية معينة، سيقولون عنك بوذي، العالم يطلق الأحكام من خلال مايراه، هذه رسالة مهمة جدا يفتقدها الناس في أنفسهم، بين الواقع الذي نعيش فيه وردة فعلنا تجاهه تختلف حسب كل منطقة وخلفية فكرية.
إله خلقنا.. وإله خلقتموه !
يقول Pk؛ "جميع الأديان تقول أن هناك رب واحد، لكن أنا لا أعتقد ذلك، أعتقد أن هناك إلهان، الأول هو من خلقنا جميعا، والثاني خلقتموه أنتم، وأعطيتموه صفات مثلكم، كاذب ومحتال، وكيف يحقق أمنيات الأغنياء بسرعة بينما الفقراء ينتظرون في آخر القائمة.. لا نعلم شيئاً عن الإله الذي خلقنا، لكن الإله الذي خلقتموه يشبهكم تماما.. كاذب، مُتصنّع، يعطي وعوداً كاذبة، يلبي رغبات الأغنياء ويضع الفقراء على قائمة الإنتظار، أما الإله الذي خلقنا فأضع كل ثقتي به، يدعونا إلى مساعدة الفقراء، يدعونا إلى حُسن المعاملة، لا يطلب أموالاً ولا قرباناً ولكن كل مايطلبه هو طاعته في الخير وحب الناس.. هذا هو إلهي."
الجهاد في سبيل الله أم حماية رجال الدين ؟
"هل تستطيع أن تحمي ربك؟ أنت؟ عالمكم صغير هكذا، مقارنة بباقي العوالم.. هل تريد إقناعي أنك وأنت جالس في هذا العالم الصغير في هذا المكان الصغير ستقوم بحماية إلهك الذي خلق كل تلك العوالم؟ إنه لا يحتاج حمايتك.." ، الكثير من الأديان تقول أن الله قادر على كل شيء، إذا كان كذلك، فما الحاجة إلى حماية دينه والجهاد في سبيله؟
"إنهم يقولون أنه عندما تزداد تساؤلاتنا فإن الرب سيمنع خيراته عنا!"
لم أتخيل يوما ما في الحقيقة أن البشرية ستصل إلى هذا المستوى من محاولة الإجابة على مثل هذه الأسئلة المعقدة والصعبة، منذ بداية ظهور أولى علامات تطور العقل البشري في بدء طرح أسئلة صعبة، كمن نحن، وأين نحن، ولماذا نحن هنا وكيف وجدنا؟ الخوف من المجهول ومن المستقبل ومن الألم يدفعنا إلى الهروب إلى صنع إله قوي ومثالي وعادل وقادر على كل شيء لا تقدر عليه البشرية من حيث قدرته اللامحدودة، وبين هذا الخوف والجهل وجد الدين.
لازلت مندهشا كثيرا بعد مشاهدتي للفيلم الهندي الرائع PK، وكيف إستطاع أن يمثل دور أولائك الأطفال الأبرياء الذين يولدون إلى هذا العالم بلا أي خطة إلهية مع أسئلتهم الكثيرة بلا خلفية أو مرجعية سابقة، لازلت مذهولا كيف إستطاعت السينما البوليودية إنتاج فيلم بهذه الطريقة الجميلة والراقية، في الواقع هو فيلم يحتاج إلى مستوى عالي من الإنفتاح العلمي والثقافي من أجل محاولة فهمه جيدا، ولا يمكنني الجزم بالقول أنني فهمت كل أبعاد الفيلم، كل ما يمكنني قوله خلال ذهولي أمام هذه العقول المنتجة أنه فيلم غني عن التعريف.
إذن، كيف يتحول الإنسان لإله لنفسه عبر نفسه ؟
التعليقات