وأنا في العقد الثاني من عمري لازلت أبكي وأضحك عن ماضي، ماضٍ أشربني العَلْقَمَ ولم أتجاوز حينها الخَمْسَ... يدور الأمر عن تعلقنا بالناس وحبنا الشديد لهم حيث لانهوى فراق أحدٍ، فلطالما جمعتنا المناسبات بأناسٍ لا نعرفهم اطلاقاً سرعان مايخطفون أفئدتنا ونُضْحِي لا نُفارِق لهم جَمعاً... إلى أن تأتي لحظة الوداع..... وعن قدوتي أحكي، يسافر ليعمل بعيداً ليجمع المال لِقُوت عيِشِنا، هو والدي أيضاً لم يرد أن يرانا نبكي على فراقه " فراق العمل"، فكان ينهض ليلاً والأنام نيامُ ليخطو خطواته الأولى للسفر، يمشي على أنامل أصابعه... وقتها تَصحُوا نفسي لتوقد جسدي فيراني جلست أراقبه عن كثبٍ، ليرجع الأب حتى أخلد للنوم مجددا فيغادر حينها.
كل شيئ لحد الآن عادي فكل طفل يتعلق بالناس لأن قلبه أبيض... تلك هي روح الصبية، إلا أن المشكل في أن تكبر معك تلك الصفات، أن تلامس العقد الأول ولازلت تستوفي المواصفات بل الخطر أن تتطور فيك للأسوء وتصبح أزمة نفسية تجعل منك وَلداً يخشى الفراق كلياً ويأخذك الوسواس إلى الجحيم، من جهة.
من جهة أخرى أن تتعلق بأناس لا يبادلونك نفس الشعور، قلبك محروق عليهم وقلبهم محروق عليه ( ليس على قلبي وإنما على الرحيل).
أبكي على وقتٍ ضيعته عليهم يدي على خذي ...أنتظرهم.
أبكي على أن حالتي مَرَّ بها كل طفل لكن لم تكبر معه، بارادته استطاع ان يغلبها في حين أن عزيمتي جائت متأخرة في سن الثانية عشر وقتها انقلبت حياتي للأفضل، تغيرت بمقدار زاوية المستقيم، شتانا بين سيد أحمد العقد الأول وسيد أحمد العقد الثاني ولي طموح بإذن ربي سيغيرني من الأفضل إلى ماهو أفضل من الأفضل.
لو عاد بي الزمن صغيرا لغيرت تلك المَطَبَّات المُثَبِطَات ولأستدركت ما ضاع من عمري ولسبق زماني بإرادتي التي وصلت متأخرة، لكن أنا مؤمن بقداء الله وقدره، هو الذي أحسن كل شيء صنعه. فلو كانت لي الخيرة في أن أختار لأخترت الأسوء لي بجهلي، أي أنني لو غيرت الماضي لماعشت الحاضر كما أعيشه اليوم...
قلمي الآن لم يكتب لي ما كنت أريد ايصاله، قلمي الآن لم يسعفني لذكر كل شيء، أستثني عائلتي ووالدايا خاصةً فهم أرقى من أن يخذلوا أبنائهم، وهم أنقى من أن يدنسوا يدنسوا أفكار أولادهم فاحِفَظِ اللهم لَنَا مَنْ فِيكَ نُحِبُ .