اعتاد منذ طفولته اللعب ومراقبة الظلال ، تارة يتفقد ظلة ويتسابق معه وتارة يراقب ظلال الاخرين ، وإن حل الليل وانتهي من سماع قصة والدته الصغيرة بدأ في مداعبة الحائط بالظلال يشكل بيده الصغيرة اشكال منها المفهوم ومنها الغامض وعندما يراوده النعاس ينهي يومه بسؤاله المعتاد ، متي اكبر حتي اثور علي حدود الصغر وابدأ في طوف الدنيا والشوارع والبلدان ، هكذا عتاد زياد بداية النهاية ليومه ، حلم السعي عن إجابات واكتشاف النهايات.

اعتدت مرافقة جدى صاحب افضل الحكايات ، فقد طاف العالم والبحار وكان دائم التكرار " لا تقدم علي شيء قبل ان تفكر " ولكي تفكر يجب ان تتعرف علي اساليب التفكير وتسمع الكثير والكثير من القصص والاخبار ، كنت ازورة كل جمعة في تمام العاشرة صباحاً اكون علي باب الدار ، لأجد قصاصة صغيرة منمقة ومجهزة من صفحات جريدة الاهرام مخطط عليها مواعيد البرامج المخصصة للأطفال ، نفطر سوياً ثم اذهب لمشاهدة الكرتون لنصف ساعة ، ثم اعاود لغرفته متسائلاً ، جدي احكي لي عن بلدة كذا او عن مغامرة من مغامراتك في البحار ، فيبتسم ويقول انت من عليك ان تختار ، كان بارعاً فلا يهم كثيراًِ اختياري فكان يأخذني في عالم ملئ بالشغف المستمر ويزرع في تساؤلات باستمرار ، فقد اختار ان اعرف عن امريكا مثلا فأجد نفسي في النهاية نتناقش عن قصة من قصص الانبياء او سفر من احد الاسفار ، اعتدت التنقيب والعبث بمكتبته وفي يوم لن انساه وجدت كتاباً كبير بلا عنوان مجلد بجلد اخضر ولم استطع قرأته بشكل بسيط كنت حينها في الصف الابتدائي ، فذهبت إليه متسائلا ما هذا الكتاب ؟ فأجابني هذا الانجيل برواية حنا ، دعه الان فليس الوقت المناسب لتتصفحه قبل ان تتصفح وتتعمق في القرآن ، اتخيل شكل عيناي وقتها وهي مليئة بالتساؤلات وبدأت مباشرة ، جدي ولما تحتفظ بإنجيل وانت مسلم ، فأجابني في وقت من الاوقات عينت محققاً في احد دوائر الضباط ولكي اتمكن من محاورة الجميع ومعرفة مدي مصداقية من احقق معه كان يجب ان ادرس الانجيل لكي اتعمق في عقيدة الكل ، ثم اضاف لكي تحترم عقلك يجب ان تتعرف علي كل ما حولك بالذات من شاركك الحياة والوطن والافكار ، فابتسمت مقتنعاً من الوهلة الاولي بما قال ثم سألني ماذا تعتقد إن سمع مسيحي في مثل عمرك بسورة " البقرة " هل سيتقبل المعني بسهولة ام سوف يسخر من الاسم بسطحية ، صمت لوهلة واجبت اظن انه سوف يسخر ، فرد لهذا يجب الا تسخر او تستغرب من ما هو ليس لك ، ولكن يجب ان تتحلي بالفضول للتعرف عليه باحترام ولا تستعجل سوف نتحدث عنه لاحقا ولكن في الوقت المناسب كما قلت لك .

تعلمت في هذه الفترة ان علي ان ابحث ثم ابحث ثم اتدبر ما وجدت لا لأجد الاجابات فهذه هي ثمرة ومتعة الطريق ، إنما لأصطدم بالحقائق والاستنتاجات ، فليس كل ما تتوصل إليه في النهاية مرغوب ومحبب لك ، ولكن هذه هي الحال ، حال سعي الدنيا من منظور مسلم عربي، عُلم انه في فترة اختبار طويلة الأمد او قصيرة ، ما يهم انها لن تدوم وانه يتلوها الكثير والكثير من الحيوات الاخري التي تستوجب التأهب والتحضير وترك إرث للغير فلست وحدك ولن تسر إن تركت نسل او عشيرة تهوي في براسم ضلال شيء قد وجدت انت له إجابات.

مرت السنوات وكثرة الخبرات بعض الشيء ، منها الجيد ومنها السيء المليء بالأخطاء والتهور والاندفاع ، ولكن النفس ظلت تبرر لنفسها وإن لم اجرب الان فمتي ، استمتع واستمر المهم ان يبقي لك مبدأ وبعض من التجاوزات ، سعيت للانضمام لصحبة تشبهني مغامرة عابثة بكل ما تجده امامها باحثين عن إجابات او تفاعلات وتم بالفعل ، وكنا اربع افراد اثنان مولعان بالفن والموسيقي وهم هشام وزياد واثنان مولعان بالعلم والرياضة عمر وعمر ، كانت صداقة جميلة مثمرة حتي الصف الثانوي ، بدأوا الشباب الأربعة مماثلة اقرانهم من الطلاب بالتهرب من الصف الدراسي الممل ، ليجوبوا شوارع القاهرة عابثين بها متنمرين بما يروه في انفسهم انهم اصبحوا كبار ، ومع ذلك اظن ان جولاتهم كانت تعتبر راقية بعض الشيء !! فكان هشام وزياد يزوروا احد اكبر المكتبات العامة بالقاهرة للاستمتاع بما فيها من كتب صباحا ، ثم يتجولان بين متاحف القاهرة ليشاهدوا طلاب الفنون الجميلة وهم يرسمون أملين ان يكونوا في مكانهم عن قريب ، وكان العمران قليلا التهرب نوعا ما نظرا لأهتماهم بجني الدرجات الدراسية وإن تهربوا فأعلم ان هناك مباراة هامة جدا مع احد المنافسين الشرسين من الاحياء الأخرى او المدارس المجاورة ، ويظل الاهم ان نجتمع جميعاً ليلا في احد البيوت او للخروج بوسط المدينة لنستمتع بشوارع ومقاهي القاهرة ومعمارهم المتعدد الاخاذ ، كنا دائمين المراقبة لرواد هذه المقاهي والشوارع من البشر ففي ليل القاهرة تجد العديد من الطبقات التي لن تجدها سوي هناك ، فقد تقابل شاعر او كاتب او عازف او مجموعة من الشباب يتناولون المواضيع السياسية في تعصب وشغف ، حتي المتاجر متعددة ومنفردة اعتق المكاتب والمباني لن تجدها إلا هناك بعيداً عن احيائنا التي تميل للعبثية في لمعمار او لنمط اجتماعي محدد لا تنوع يذكر فيه ، حصدت من هذه الفترة الكثير من المتاعب والكثير من الخبرات ايضا ، وبداءة المجموعة في الانتساب لمن هم اكبر منهم عمراً ليس للمشورة وإنما للاشتراك في انشطتهم التي قد تروي شغفنا بالمغامرة والعبث فبدأنا تعلم الرسم والنحت بشكل حر ، وبنهاية المرحلة الثانوية بدأ الشتات ، شتات عام علي مستوي العلاقات و الاحلام فالتنسيق الجامعي لم يتفق مع أمال الجميع لا الاكثر عبثية هشام وزياد ولا الاكثر انضباطا كحال عمر وعمر وبداءة رحلة جديدة من نوع جديد مبنية علي الوحدة بعض الشيء و التأقلم مع مجريات الحياة ولكنا حاولنا قدر المستطاع الحفاظ علي الاجتماع من وقت لأخر للاطمئنان علي بعضنا البعض و الوصل .

جاءت الجامعة بصوب من المتغيرات الغير المحببة فالاغلبية تسعي لما كنا نفعلة نحن من ثلاث سنوات ، إذا فما الجديد واين المتعة في تكرار اشياء بالفعل جربتها وعرفتها ولم اعد اتحمس لها تماما ، فبدأت الحياة بالفتور شيئاً فشئ ماعدا لقائاتي بخليل الفن هشام ، فكنا نحضر حفلات الاوبرا سوياً في العطل الاسبوعية او نتلاقا للحديث عن مشاكل كل منا او لنتشارك نوع جديد من الموسيقي او الفن ، قد نكون وقتها فقذنا الكثير من متعة الاكتشاف المباشر لكننا كنا بدأنا في الابحار في عالم التواصل عبر الانترنت للتعرف وبناء علاقات جديدة مع اشخاص اعتباريين فكان هشام مهتما بالثقافة الايطالية وكان زياد مهتما بالثقافة التخريبية بعض الشئ ، يعبث بجهازة او بأحد البرامج واتشارك المحادثات مع اي شخص بغض النظر عن موطنة او ديانتة فكان الهدف مشتت بعض الشئ لعدم مصداقية هذا التعارف فقد تتواصل مع شخص لفترة علي انه شاب وتجدة كهل او فتاة ، فلم اجد نفعاً اكثر من اكتساب اساليب جديدة للتحاور او للتعرف علي لغة جديدة وظل الاهتمام الاكثر بالبربامج والتطبيقات وإصلاح ما افسدتة بيدي مسبقا ، زادت قناعتي في هذة المرحلة ان التأقلم بذكاء يحفز الاساس هو ركن جديد يتوجب علي رضافتة لمجموعة المهارات والخبرات التي اكتسبتها في رحلتي حتي ذاك الوقت.

ما توصل إليه العقل من استنتاجات شخصية في هذه الفترة وما تلاها ، دمج المرجعيات ومراجعتها باستمرار ، فهناك مرجعيتك الصلبة و اللينة والمكتسبة ثم اخيراً المستخلصة مما سبق كلياً ، اقتنع ان زمننا هذا لا يتسع لأصحاب المرجعيات الصلبة وحسب ، إنما يتوجب علي كل فرد ان يحدث مدي تطور مرجعيتة بما يتوافق مع مرجعيتة الصلبة ويتوافق ايضا مع ما اكتسبه من مجتمعة المحيط او من المتغيرات المجتمعية التي تفرض علي مجتمعاتنا العربية الهشة ، فلم تعد الهوية مبفهومها القديم إلا في الكتب او علي السنه الجدود الافاضل ، ولا يتسع الوقت والزمن لتلقين الاجيال القادمة ، إنما هو تفاعل مستمر يتوجب علي كل شخص التأقلم معه واحتوائه قبل ان يستحوذ عليه التخبط والتغيير الاجباري إن غابت المراجعة الفردية والتحديث ، فالبحث المستمر سوف يظل اصل الرحلة وسر التعاقب للأجيال نحو عالم اكثر استيعابا للجميع .

ملحوظة هذه مشاركة خارج المدونين الذين تم اختيارهم.

وهذه ثانى تدوينة اكتبها عمتاً