أنت لا تعرف هذا الرجل.

ربما لم تره قط.

لكن جسده،

ما تبقّى منه،

في مكانٍ ما من مدينة الكوفة.

الكوفة.

لم تكوني مدينة،

كنتِ أمّاً تركت طفلها

يبكي في الشارع،

وراحت تراقب من خلف الستار.

هذا الرجل كان

نخلةً أحرقوها

كي لا يروا

إلى أيّ حدّ يمكن للوفاء أن يسمو.

كان فانوساً

أُنزِل في بئر،

وحين لم يرجع الضوء،

تظاهرنا أنّ البئر لم تكن موجودة.

أنت لا تعرف هذا الرجل.

كان حصناً بلا حامية،

أسداً أُطلق في مقبرة،

رعداً شقّ الغيوم

لكنّه لم يشقّ صمت الرجال.

كان الباب الذي ظلّوا يطرقونه

حتى بعدما سدّوه عليه بالمسامير.

اسمه مسلم بن عقيل،

لكنّه كان يمشي كجنازة،

ويتكلّم كتحذير،

وسقط كالوعد الذي حاول العالم أن ينساه.

أنت لا تعرف هذا الرجل.

كان الوفاء،

مُقطّعاً حتى العظم،

ومُقدّماً للذئاب التي تتعطّر.

كان الصرخة

التي تعلّمت أن تمشي وحدها

حين لم يأتِ أحدٌ لنجدتها.

كان أول حجر دومينو،

لامسته أصابع مرتجفة،

لكي تنهار كربلاء جمالاً.

كان نواة تمرٍ

ابتلعتها الأرض،

فبصقتموها،

لكن السماء أنبتت شجرةً باسمه.

هذا الرجل،

لم يكن مجرّد رسول.

كان فجراً طُعن قبل أن يطلع.

كان طعم النحاس في فم نبي.

كان الشوكة التي بقيت في ظهر الحسين

عندما سمع الخبر.

أنت لا تعرف هذا الرجل.

لكن في كلّ مرّة تتردّد فيها عن الوقوف،

في كلّ مرّة تبتلع فيها الحقيقة لتحفظ سلامتك،

تصبح أنت التراب

الذي تراكم على كتفيه

عندما أدبر الناس عنه.

ولا يزال العالم يتنفّس

لأن رجالاً مثله

اختاروا أن يسيروا وحدهم.