"مقال كتبته أثناء الحرب على غزة 14/05/2021"

عندما كنا صغاراً كان هذا العالم بالنسبة لنا متاهة أو مغارة معقدة بحسب الموقف الذي يعترضنا، كنا سريعي التأثر بطيئي الرضا. كان عالمنا مليئاً بالتساؤلات حول ما يجري ويحدث، وإن لم نشعر بالأمان الذي نحتاجه كأطفال يتحول عالمنا لبقعة محفوفة بالمخاطر وإن لم تكن تلك المخاطر على أرض الواقع يكفي أنها في خيالنا كأطفال.

هكذا كنا وهكذا الأطفال في كل مكان وزمان مع هذه الأحداث التي تجري الآن في فلسطين هل فكرنا بما يجري في عالم الطفل الصغير الذي يعاصر الأحداث؟ صواريخ، تفجيرات، بكاء، صراخ، متابعة أخبار، لم تكن تلك الصور في حسبانه، لقد تفاجأ بها قبل العيد كما تفاجأنا نحن.

العالم الصغير

في خضم هذه الأحداث كيف أضحى عالمه الصغير؟ وهل هو بحاجة لمن يربت على كتفه فيشعره بالسلام وكأن شيئاً لم يكن؟ هل هو بحاجة لحضن دافئ ينسيه ذلك الدمار ويطفئ في عينه تلك النار؟

لقد كان لبراءته نصيب مما يحدث،  يلتفت حوله فينظر في وجوه الكبار عله يفهم القصة ويعي المسرحية. لا يجد سوى الصدمة والخوف والهلع. تلك الحروب بالنسبة للأطفال ما هي إلا وَجَبات سامة إما أن ينجو منها قوياً أو تتلاشى بقاياه متأثراً مدى الحياة. باتت التناقضات بالنسبة لطفل الحرب عالم من عوالم الهدم النفسي وإن تماسك واقفاً فعلى أطلال السعادة التي يبحث عنها في كل مكان.

لكل غيمة سوداء بطانة فضية

نعم إنها أزمة حقيقية ونفسية، ومشكلة قد تقصُر أو تطول، و تفتت لمعايير المدينة الفاضلة عند الطفل، لكن لابد أن لكل هذا جانباً إيجابياً. لا يمكن أن تمر الغيمة السوداء وحدها دون البطانة. ويلات الحرب تُخرج الأبطال من رحم المعاناة، تزيدهم ثباتاً ونقاءً، ذلك الطفل فتح عينيه ليرى آباءه وأجداده أعلاماً في العزة والكرامة، يحملون في جعبتهم قصص الانتصارات المتتالية والفتوحات العظيمة.َ، يعشق الطفل أن يستمع لرواياتهم ولا يستطيع النوم سوى على ترانيم حكايات النصر والبطولة والتحدي. أبوه من جهة وأمه من الأخرى وجده لا يمل سرد القصص.

في فلسطين سطر الأطفال معاني القوة في أنفاسهم، اعتادوا أن يروا حالات الحرب تزيد الكبار ثباتاً ولا تتردد الأمهات في الإنجاب خوفاً على الأجيال القادمة من الحروب، بل بالعكس هي تنجب لتعطي وتبذل في سبيل الأرض المقدسة.

طفل تربى في أجواء كهذه تمر عليه الأزمات لتقوي من عضده وتبث فيه التعطش للنصر.

الأمهات والآباء منارات التربية

هنا يظهر جلياً دور المربي المعلم، في كل حركة

يتحركها وردة فعل يصدرها تغرس في الطفل قيمة من القيم الراقية مدى الحياة. وتعلمه درساً لن ينساه. طفل الحرب يتعلم في أيام ما يتعلمه غيره من الأطفال في سنين، طفل مرفوع الهامة منتصب القامة، يسمع كل يوم عبارات العزة، لذلك أضحى مُهماً أن يجمع الأب والأم أبناءه في جلسات توعية بما يحدث في الأراضي المقدسة فيفهم الطفل ما الذي يجري هناك، ولماذا يتمسك المسلمون بمبادئهم ويتشبثون بمعتقداتهم غير آبهين بالعدو، عدو العقيدة والدين والوطن.

إن كانت الأمهات والآباء في فلسطين يعلمون أطفالهم دروساً عملية في مجابهة العدو فواجب من هم بعيدين عن ساحات الحرب بذل الكلمة وتعليم أطفالهم نظرياً وتفتيح أذهانهم وتوعية أرواحهم وكشف الحقائق.

لن نرحل

في الأيام الأخيرة ترددت هذه العبارة كثيراً فسمعها الأطفال بشكل متكرر. الارتحال بالنسبة للأطفال شيء جميل،  تغيير المكان والأصدقاء والمدرسة قد يفرح الطفل، فالمكان جديد والوجوه جديدة. لا يعلم الطفل تاريخ تلك العبارة وما الذي دفع الأجداد لتكرارها في حقب مختلفة من الزمن،َ. لذلك كان لزاماً على كل مربي شرح التاريخ لطفله وتوضيح الخفايا وأسباب تلك العبارة ومتى قيلت ولماذا؛ ليدرك الطفل أنه وإن كان للارتحال جمال فإن التجذر في الأرض هو الأجمل

وليعلم أطفال العالم ايضاً أننا  "لن نرحل يا صغيري"