تحرك فأنت لست شجرة، اعمل بجد، اختف عن الأنظار لمدة عشرة أعوام ثم عد وأثبت لهم أنك تستحق النجاح.

"إيلون ماسك يعمل ٣٤ ساعة في اليوم ما عذرك؟"

"مليونير يلقي بنفسه في الشارع ويصبح متشردا ويعيد صناعة المليون مرة أخرى"

مع الانتشار الشديد لكل هذه الدعوات الصاخبة للإنجاز والإنتاجية والنجاح أصبحت أشعر بالذنب لمجرد الجلوس وفعل لا شئ. أصبحت أشعر بالتعب والقلق وكأنني أركض بشكل مستمر رغم أنني لا أعمل طوال اليوم (أقصد بالعمل هنا التعلم بمختلف أنواعه وليس الوظيفة) ولا حتى لمدة ٨ ساعات في اليوم .. فلماذا هذا التعب المستمر؟ لماذا هذا القلق والتوتر الدائم؟

إنها ثقافة الإنتاجية السامة، بدأت بالتعرف على هذا المصطلح منذ فترة قريبة -هناك تغير كبير في نظرتي للأمور حدث مؤخرا- لكني لم أتعرف عليه من مقال أو فيديو لأحد صناع المحتوى وإنما استطعت استنباطه بنفسي!

كنت قد قرأت من قبل عن الإيجابية السامة في مدونة "مترين في متر" للرائعة العنود الزهراني وقد وجدت أنني مصاب بهذا الداء؛ فلم أكن أسمح لنفسي بالشعور بالتعاسة أو الإحباط أو أي مشاعر سلبية ظنا مني أنني سأصبح أكثر سعادة وأنني سأسيطر -أخيرا- على أفكاري السلبية المدمرة.

لكن تأتي التدوينة في وقتها لتجبرني على إعادة التفكير في موضوع "الإيجابية" بأكمله، ومن هنا بدأت بالتشكيك في كل ما تعلمته بشأن مواضيع مترابطة كالإنتاجية والإنجاز والنجاح والفشل وما إلى ذلك من مواضيع تبدو جذابة ومفيدة جدا -وهي كذلك بالفعل- لكنها تقدَم لنا بصورة خاطئة ومدمرة، تقدم بطريقة جعلتني أشعر بالذنب لأنني أقضي بعض الوقت مع أحد أصدقائي، أو أتعلم مكعب روبيك أو أستغرق وقتا أطول من المعتاد في شرب كوب شاي أعجبني مذاقه.

دعني أجعل الأمور أوضح قليلا، مشكلتي ليست مع تحديد الأهداف والسعي لتحقيقها ثم الاحتفال بإنجازها. مشكلتي مع -كأي شيء آخر- المبالغة الشديدة في الموضوع حتى يصل بك الأمر إلى أن تحاول "الاستفادة" من كل دقيقة من وقتك، وحتى لا يبدو الأمر ضبابيا فسأذكر لك ما لاحظته في نفسي من تصرفات وأفكار جعلتني أنتبه إلى أنني مصاب بداء الإنتاجية السامة:

  1. لا أرضى بإنجازاتي مهما كانت كبيرة: سأخبرك شيئا، لقد استطعت -بفضل الله- تعلم اللغة الإنجليزية تعلما ذاتيا، فمهارات اللغة الأربع لدي في حالة جيدة جدا والحمد لله. ورغم أن هذا إنجاز كبير -على الأقل بالنسبة لي- فمازالت أشعر بأنني لم أنجز شيئا ولم أصل لأي شيء.
  2. أحاول "استغلال" كل دقيقة من وقتي: كما ذكرت بالأعلى فأنت تريد أن يكون وقتك كله عبارة عن تحقيق للإنجازات، فلا وقت للنوم ولا وقت للاسترخاء، ولا وقت للجلوس مع العائلة، لا وقت سوى للدورات التدريبية والمشاريع الريادية ومحاولة الوصول للأهداف التي ربما لا تريدها أصلا (قصة أخرى سأكتب عنها قريبا)
  3. تريد أن تكون منتجا "بالعافية": سأذكر هنا مثالا واحدا على ذلك فهو كاف جدا. النوم، هل حاولت من قبل أن تكون منتجا أثناء نومك؟ إن وجدت الموضوع غريبا أو ظننت أنني احاول إلقاء نكتة من نوع ما فأنت مازالت بخير، لكن للأسف فأنا لا أمزح لأنني حاولت أن "أستغل" نومي وأحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من ساعات النوم العميق حتى أستيقظ فأشعر بالنشاط لأدخل في دوامة أخرى من محاولة استغلال كل دقيقة من وقتي. لكن كيف ذلك؟ ببساطة كنت أحاول ترك الهاتف قبل النوم بساعتين -ودائما ما كنت أفشل وألوم نفسي- وأحاول عمل روتين للنوم يتضمن أنشطة استرخائية وروتينا للاستيقاظ يتضمن أنشطة تساعدني على أن أكون يقظا؛ لأنه بطريقة غير مفهومة أصبح نومي أسوء منذ أن حاولت تحسينه!

حسنا، ما الحل؟

لا أدري! فقط أحاول أن أحتفل بإنجازاتي الصغيرة، أحاول تحديد ساعات التعلم وممارسة هواياتي القديمة أو أي نوع من الأنشطة الترفيهية في أوقات فراغي، وأخيرا أحاول الإبطاء وتغيير عقلية الركض والسعي اللانهائي إلى عقلية الاستمتاع بالرحلة.

ربما ستجد حلولا أخرى إذا قمت بالبحث باستخدام مصطلح Toxic productivity لكني لم أرد أن أشارك حلولا لم أجربها فأنا أريد أن تكون المدونة هي عقلي الثاني الذي أفرغ فيه أفكاري وأكتب فيه عن تجاربي وأناقش وجهات نظري.

يمكنك الاطلاع على تدويناتي الأخرى من هنا

أود أن أعرف ما إذا كان أحدكم قد كان في حالة مشابهة للإنتاجية السامة من قبل وكيف تعامل معاها