ترك نفَسهُ ونفْسهُ عند مهدهِ،أزاحَ اللّحافَ،وبثقةٍ عجيبةٍ قال : غداً سأسددُ الفواتير، سأصلحُ الغسالة،سأدرسُ للامتحان، سأقضي صلاتي، سأزورُ أمي، سأسامحُ جاري ...

كان متأكدًا أنه سيستيقظ مثل كل مرة.ولكن هذه المرة ربما لم تكن كـكُل مرة ! راح يتلمّس أثاره وهو يلفظ آخر الأنفاس، الحياة من بعده، كيف غدت وكيف ستكون؟

لذعة أصابت قلب أمه و حرقة أصابت قلب أبوه أما إخوته فإعوالٍ ونحيبٍ وجلجلة،أصحابهُ راحوا يتذكرونهُ في أدق تفاصيله التي لم يعر أحدًا لها بالًا، وجهه، ضحكته، غضبه،زلـله،كلامه، وكلّ تعابيره وخلجاته.

فكّر من خلف السّتارِ هل ينهي هذا الشّقاء ؟ ويخلّصهم وإيّاهُ من هذا التنكـيل؟

عاود النظر!! لقد جدّدتْ أمه أثاث المنزل، وأبوه من الوظيفة استقال، لقد تزوجوا إخوته، لقد صار عمًّا وخال، أصحابه كل واحد منه في سفرٍ وفي تنقّــل و ترحال.

يصادفُ اليوم يوم ميلاده العشرين، الثلاثين...التسعين.

تقول أمّهُ: لو كان حيًّا بيننا كنّا أقمنا له احتفال، وأبوه على شبابهِ الذي ضاع أرثاهُ بموّال، أختهُ الصغرى قالت كان سيكون أجمل خال، لو كان بيننا آوّاه لو كان.

فهمَ الحياة من ثقبٍ مخرومٍ اسمهُ "المـــوت" وأدرك أضحوكة القدر و غفلة الدهر و ترهات العمر.

إستفاق من غيوبة الزمن وعاد إلى الحياة، برؤية جديدة، وتفكير مستنير، و عقل سليل، لم يوغلْ في الدنيا لأنها على زوال بل استعصم بعروةٍ أساسها حب الله ومنتهاها حب الله.