نشرة خواطر مفكرة البريدية - العدد #23 اللعبة والكتب التي نقلتني لمستوى مختلف في الجانب المالي!
تجاربك وحرصك الدائم في تطبيقها بعد تعلمها سوف يعطيها بعدا آخر، وزخما أكبر!
سأتحدث عن تجربتي في عالم المال.
في خلال مراحل الدراسة لم يكن هناك أي منهج تعليمي يخبرك بكيفية الادارة المالية مطلقا، فقط كان المنهج التعليمي يرتكز على التلقين ولا شئ غيره، مما أنتج جيلا لا يمكنه التفكير خارج الصندوق، يمكن تشبيهه بالاسفنجة التي تستقبل دون تنقيح، ليكون الهدف النهائي تعبأة بشرية للمؤسسات والمصانع الخاصة، والحكومية.
لا أزال أتذكر أبناء خالتي حينما نذهب لديهم للمنزل في المرحلة الابتدائية، أنظر أنا وأخي إلى صندوق خشبي مصبوغ بالأبيض، ويوجد عليه قفل محكم الاغلاق، مع فتحة صغيرة لا تتجاوز ١٥ سم، معبأة عن آخرها، فبينما كنت قد صرفت ما أعطانيه أبي في صبيحة ذلك اليوم للفسحة، كان ابن خالتي يصرف ريالا في المقصف المدرسي، بينما رياله الآخر يضغطه ضغطا في ذلك الصندوق!
كان موقفا غريبا بعض الشيء رؤيتك (للحصالة) ، تمر فترات طويلة يكون تطلعي الأول ليس ملاقاة أبناء خالتي واللعب معهم إنما للتأمل في ذلك الصندوق وعن حجم المبالغ التي بداخله، لماذا يقومون بجمع أموالهم؟ ومالذي يجعلهم يقومون بذلك؟ وماذا يريدونه في نهاية المطاف حينما يقومون بجمع الأموال بعد فتح الصندوق؟
بعد فترة تجاوزت السنتين كان طموحهم في شراء دراجات منزلية وقد نالوا مرادهم بعد أن زاد الأب من المال ما غطى المبلغ المتبقي للسداد، إذن كان الهدف إستهلاكيا بحثا للمتعة فقط، وقد نالوا ما أبتغوه من جمع ذلك المال.
كأسرة متوسطة الحال تنحدر من الجد الذي كان جلّ همه وتركيزه إطعام أبناءه من المزرعة، مع رعاية الماشية، ناقلا تلك الثقافة للأبناء الذين كانوا محظوظين كفاية ليلتحقوا بالسلك العسكري والتعليمي بعد أن أكملوا مسيرتهم التعلمية بعضهم حتى (المتوسط من الأكبر منهم) أو (الجامعي لمن أتى متأخرا) فلم تكن الفكرة المادية متأصلة داخل الأسرة، مع قصص طويلة من توالي الملوك والطفرات التي سبق وأن حدثت بوجود النفط وارتفاع المداخيل التي لم يدركها البعض، ولم تكن لديهم الخبرة الكافية لإدارة الأموال، وهذا ليس خطأ يتحملونه ولكنه تبعات عدم الاحتكاك بأهل الخبرة، أو الخروج لمعرفة ثقافات أخرى متقدمة قد تسهم في زيادة المداخيل المادية وذلك مثل الذي حدث لسكان مدن (كالرياض، جدة، أو الدمام) وذلك في شراء الأراضي، أو الالتحاق بأرامكو، وسابك لاحقا، مما ساعدهم بشكل مباشر في زيادة مداخيلهم وتكوين ثروات لهم ولإبنائهم لاحقا.
كانت الثقافة السائدة كطبيعة سكان العالم بالتأكيد هي في الاستهلاك، لم تكن ثقافة الادخار ومن ثم استثمارها لاحقا موجودة من الأساس، وربما ليسر الحال والأموال التي كانت فوق الحاجة مدعاة لعدم التفكير في زيادة الغلة وبالتالي تكوين مصادر دخل متعددة من شأنها زيادة المداخيل وبالتالي (الغنى) وقد كان هناك جيلا كاملا قد عاش فترة الثمانينات أقصى أمانيه الالتحاق بوظيفة حكومية ثابتة الدخل، وبالتالي (الأمان الوظيفي) الذي يؤمن به ذلك الجيل حتى يومنا هذا.
في المرحلة الجامعية كنت قد خضت مع بعض الزملاء بعض التجارب في التجارة، والتي كانت عظيمة كفاية كي تخبرني عن عالم مواز لم أدرك وجوده، أن تشتري بضاعة معينة لتبيعها لاحقا بنسب تتجاوز (٤٠-٩٠٪) من سعرها الأصلي، وقد كانت متنوعة كفاية لتعطيني تجربة استفدت منها حتى هذه اللحظة، وإن شابها كثير من العثرات والأخطاء التي لا بد لأي شخص أن يقع فيها خصوصا لو كان مبتدئا.
سأل رجلٌ عثمان بن عفان رضي الله عنه قائلاً: يا أمير المؤمنين ، إنك كنت من فقراء المهاجرين فأصبحت أغنى إخوانك ، فبمَ نِلت ذلك؟ فقال: كنت أُعالج وأُنمي ولا أزدري ربحاً ولا أشتري شيخاً وأجعل الرأس رأسين.
في إحدى حلقات ثمانية استضاف أبو مالح ضيفه فارس التركي، والذي يمتلك سلسلة مطاعم (فطور فارس) المنتشرة في مدن المملكة، وقد شدّني حينما تطرق في أحد جوانب حديثه عن أزمة (الكورونا) وكيف بأن قرارات بسيطة وتجارب سابقة قد تحدث فرقا هائلا في سير العلامة التجارية، فمثلا في الأزمات لم يكن تعامل الكثير من أصحاب العمل الأمثل في وقت الأزمة، مما جعلهم يتكبدوا الكثير من الخسائر وبالتالي إغلاق أنشطتهم التجارية لاحقا، ومنهم لم يواكب التطور آنذاك في إنشاء التطبيقات الالكترونية التي أنقذت الموقف وقتئذ، وغيرت ثقافة الكثير من السكان، يقول فراس التركي بأن الأكثر حظا من كل هؤلاء هو من ينحدر من أسرة غنية، فهو لم يواجه العثرات وذلك في كون الأب أو الجد قد كانا طوق النجاة بحكم خبرتهم في السوق، بمجرد نصيحة منهم كانوا قد تفادوا الكثير من الخسائر التي لم تخطئ المبتدئين في عالم التجارة، وكانت تلك النصائح أو التوجيهات طوق نجاتهم.
الكثير من الكتب ساعدتني لاحقا في إستيعاب فكرة المال، فمن كتاب صغير مثل (أغنى رجل في بابل) ومن خلال القصة فقط، كان قد أيقظ لديّ فهما ولو كان سطحيا عن الأموال وطريقة تنميتها وإكثارها، لتأتي تجربة أكثر تكاملا في قراءة كتاب (الأب الغني والأب الفقير) مما جعل الفكرة تتبلور أكثر، ونقلها من مستوى التنظير إلى نحو مستوى التطبيق لاحقا، وذلك في خوض غمار أسواق الأسهم ولاحقا في الدخول نحو العملات الرقمية بالطريقة الاستثمارية، وكتب أخرى لحقتها في التعامل من الأسهم، وطريقة إغلاق المبيعات.
ولعل أعظم التجارب هي في لعبة بسيط تسمى (المونوبولي) والتي ستفهم فيها حقيقة راسخة، في كون الأصول مثل (الأراضي، والإيجارات) هي ما يتصدر أي فكرة في الاستثمار الحقيقي عالي الأرباح والآمن في نفس الوقت، ولو كان الأمر بيدي لجعلت هذه اللعبة فقط المصدر الوحيد التعليمي لفكرة كيفية استثمار الأموال وتمنيتها لاحقا في المراحل المبكرة الدراسية.
ولكن عتبي وعجبي في شئ رئيسي ولنأخذ الاستثمار في الاسهم كمثال، كيف يمكنك أن تسلم مالك الذي سعيت له بكل ما أوتيت، وبذلت الغالي والنفيس من أجله، ومن ثم تجعله بين آراء العامة من الناس، الذي لم يملكوا أي مؤهل أو خلفية عملية في (الاقتصاد) على أقل تقدير، بل ربما كان عسكريا أو معلما، أو من مسثمري الاراضي (التراب) ممكن يصرحوا بتحاليل وتوصيات ليس لها أي مستند علمي سوى شئ يطلقون عليه اسم (الخبرة)!
التعلم فقط ومن ثم التطبيق مع وقوعك في الأخطاء هو ما يجعلك تتوصل لأفضل التجارب، وألا تكون فريسة سهلة للآراء بإتباعك نصائح غير منطقية توهمك بأنك ستنال مئات الألوف، فقط متى ما وجدت الحاجة، ومن ثم النية لتغيير واقعك، دون فقط التمني والركون للكسل بحجة عدم المعرفة، فيجب عليك أن تتكبد كل ما يتعلق بقراراتك اللامسؤولة والتي علقتها بآمال (خبير)!
أسعد باشتراكك في نشرتي البريدية في الرابط أدناه