ولد في بيتٍ أشبهَ بالمكتبة: الكتبُ تُغطّي مُعظمَ الجدرانِ والزوايا، والصّحفُ والمجلّاتُ موزّعةٌ بين غرف النوم والصّالون وصولًا إلى الشُّرفة والحمّام. عُرِفَ عن والده أنّه قارئٌ من الطراز الرفيع، لا بحكْم عمله في مجال الصِّحافة فحسب، بل لأنّه أيضًا عاشقٌ قديمٌ للأدب والفنّ ولكلِّ ما يتعلّقُ بالفكر وعلم النفس. ولطالما ما كان يسمعه يُردِّد قولَ المتنبّي الشهير "... وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ" كأنّه شعارٌ حزبيّ.

تربى على حب المطالعة ومجالسة الكتب وتشبّع من نفحات الادب، لقد كان والده يحلم به بأن يصبح أديب لامع ومشهور يذيع صيته في أفق الشهرة ويتباهى به بين اقرانه...

كان يزرع فيه حب الكتابة منذ الصغر ويحدثه على أثرها في شخصية الفرد رغم كرهه لها.

لطالما كان يردد له "طالع يا بني ولا تمل فكل كتاب يأخذك إلى عالمه ويكشف لك عما تجهله وينمّي من معرفتك"

مرت سنوات وكبر وأزهر لكن الحلم لم يتحقق بل تلاشى وتبدد وفي النهاية هو الان مجرد عاطل عن العمل...لم يكمل دراسته، ترك الجامعة منذ وفاة والده...

لقد مات من كان يزرع فيه حب الدراسة والمواصلة والمثابرة...

في الحقيقة غالبا ما يصطدم الحلم بالواقع التعيس فيتلاشى، فذنبه الوحيد أنه ولد في بلد يقتل كل الاحلام والاهداف بل يقضي على كل أمل في شبابها ويدفعهم إلى الهجرة والخلاص.

كالعادة يجلس في ركن من المقهى نفسه لا تؤنسه سوى سيجارته التي مازال متمسكا بها رغم نصائح الطبيب بأنها قد تقضي على حياته...فهو يعاني من الربو...

لقد شارف على الاربعين من عمره وامتزج شعره الاسود ببعض البياض الذي ربما زاده هيبة رغم بروز بعض التجاعيد في وجهه.

هو لا يملك رفقة ولا زوجة يقطن في شقته وحيدا لا يؤنسه سوى قطه المدلل الذي كان يسميه مازحا "مختار" نظرا لأنّه القط الوحيد الذي مازال يفضّل العيش معه فكل القطط التي تبناها قد غادرت دون رجعة وكأنها علمت أنه لا يرغب بمكوثها فهو لا يهتم بها ولا يطعمها.

يعود مساء كل يوم من رحلاته المتواصلة في بحثه عن العمل بعد أن ترك منذ فترة قصيرة عمله في المطعم إثر شجار مع صاحبه، من ثم يمر على المقهى ليعدل مزاجه العابس كالعادة فيحظر له النادل الذي اعتاد على طلبه قطعة من "ميلفاي" ليمتزج طعمها في فمه مع القهوة وسط سحابة دخانية من أثر السيجارة...ثم يعود إلى شقته مترنحا وكأنّه عائد من الحانة.

تجدون بقية الاجزاء على مدونتي ملتقى القراء