حسنًا، إنها الإجازة بشكل أو بأخر، أسبوع واحد فقط...تبًا.
كتاب النبي لجبران خليل جبران يُعد لدى الكثيرين ملخص خبرات جبران، رغم أنه عاش بعده مدة، ورغم أنه قلد فيه نيتشه في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" -ظاهريًا فقط وليس مضمونًا- وعاش بعدها مدة تمرد فيها على أفكار نيتشه، ولكن لا يمكنني إنكار أن كثير مما أقره في هذا الكتاب ظل عليه حتى مماته.
يبدأ الكتاب بشخصية "المصطفى" الذي يبدو أنه نبي نزل في قوم غير قومه وهمّ يتركهم فطلبوا منه خطبة الوداع، وهذه المقدمة أنبأتني منذ بداية الكتاب أنني سأرى الحياة من وجهة نظر إسلامية أكثر منها مسيحية، ثم يبدأ الحوار بين المصطفى والعديد من الشخصيات كلًا منهم يسأله عن أمرًا يهمه حسب شخصيته وعمله -وهو أمر مهم في فلسفة الكاتب- في سبعة وعشرين محورًا -تقريبًا- يعتمد فيهم على المنطق وبعض الحجج المنطقية في نظره هم كالآتي
1-المحبة: العالم كله قائم على المحبة وهي السبيل والهدف
2-الزواج: لا يعني أن تكونا واحدًا، بل كل منكم منفرد بذاته، فلا يطغي أحدكم على الآخر
3-الأبناء:أولادكم ليسوا ملكًا لكم، لا يمكنكم إصباغهم بطبعكم وأفكاركم، ويمكنكم فقط السمو لهم لأنهم المستقبل وأنتم الحاضر والماضي.
4-العطاء: أنت تعطي لا تنتظر مقابل فالمعطاء الحق يعطي ليحيا، وأنت لا تعطي شيئًا ذو قيمة حقًا فكل ما تعطيه فان، وكنزك المال لخوفك من حاجة هو الحاجة بعينها، ولا يجب أن تقول"أعطي لمن يستحق فقط" فانت لا تعرف من يستحق ولا تقدر على ذلك، كما أن الشجرة تعطي للجميع دون تفضيل.
5-الغذاء: فلتجعل غذائك عبادة لأنك للأسف تضطر لإرتكاب الجرم من أجل الحصول على ذلك الغذاء
6-العمل: خاب أجدادكم ممن قالوا أن العمل شقاء، فأنت تعمل لتحاكي طبيعة الحياة المتحركة باستمرار، فعملك لكي تكون جزءًا من تلك الطبيعة وتفهموها.
الحياة ظلمة دون حركة، والحركة هباء دون معرفة، والمعرفة سقيمة دون عمل، والعمل باطل إن لم يقترن بالمحبة، فأعملوا ما تحبوا، لا عمل أشرف من عمل، بل الحب والجهد هما يرفعان قدر عملك ويحطان منه.
7-الفرح والترح: الفرح والحزن واحد لا يختلفان، فكل ما يفرحك اذا دققت فيه ستجده كان يحزنك يومًا ما، وليس الفرح بأفضل من الترح ولا العكس.
8-المساكن: ما هي إلا سجون تقيد حريتكم وسعادتكم بدعوى الرفاهية، فتصبح الرفاهية سيدًا لكم
9- الثياب: ما تستر ثيابكم سوى الجميل ولكنها تحجب الكثير منه،
10- البيع والشراء
11-الجرائم والعقوبات: لا تظنون أن الجاني مجرم وحده، بل المجني عليه مجرم أيضًا، وكلنا نشارك الجاني في جرمه، لا أحد أقل إنسانية أو أكثر من أحد، ولا يمكنكم إطلاق الأحكام على أحد لأنه لا يمكنك الولوج لقلوب الناس إن اردتم منهم تأنيب الضمير، فلا يمكنكم إنتزاعه من جان أو مجني عليه، وعلى أي مقياس تفاضلون بين الألم المادي والألم المعنوي وترفعون الألم المادي فوق المعنوي؟
12-الشرائع: أنتم تستلذون بوضع الشرائع وهدمها كالأطفال الذين يبنون القلاع الرملية ويهدموها في سعادة، تضعون شرائعكم وتدعون أنها تعلو فوق الكل ولكن لا تستطيعون وضع شرائعكم على الطبيعة.
13-الحرية: الحرية التي تنشدوها من لا عمل ولا هموم ليست بحرية، لأنه كيف تتغلبوا على الهموم اذا لم تحطموا السلاسل التي تقيد حريتكم، وكيف تتحررون من قيودكم وأنتم كلما حاولتم التخلص من قيد قيدكم قيد أكبر منه؟ -لم أفهم هذا الجزء جيدًا-
14-العقل والعاطفة: اجعل نفسك تسمو بعقلك إلى مستوى أهوائك، وأجعل عقلك قائدًا لأهوائك، وأنتم جزء من العالم ومن الله فترتاحون في التأمل وتضطربوا في العواصف.
15-الألم: الألم هو مفتاح الحقيقة، هو يكسر القشرة التي تغلف عقولكم وإلا لما أنصدمتم عند وقوعه، ويجب تحمل الدواء مهما كان مرًا لتشفوا.
16-معرفة النفس: لا سبيل لمعرفة النفس في الوقت الحالي، بل سينفجر ينبوع من أعماقكم في وقت غير معلوم، وحينها لا تقيسوا ذاتكم وما بها بادواتكم المعروفة، فهي كالبحر لا قياس له -حسنًا يمكننا قياسه بشكل أو بآخر...-، ولا تقل أنك وجدت طريق النفس، بل قل أنك وجدت النفس تمشي في طريقك، فهي تمشي في كل المسالك -النفس هنا أميل إلى كونها نفس عالمية-
17-التعليم: ما يعلمكم معلم الحكمة، ولكنه يعلمكم إيمانه وعطفه ومحبته، فكما لا يستطيع الموسيقي أن يعطيك أذنه ويعطيك فقط بعض مما ينشده، فكذلك لا تتوقع أن تعلم حقًا بأي السبل دون الوحي، وكذلك يجب لكل منكم أن يكون له سبيله الخاص في معرفة الله وفي إدراكه لأسرار الأرض -وجهة نظر بروستنتانية-.
18-الصداقة: صديقك هو من مائدتك وموقدك، ولا حاجة للألفاظ لتتواصل معه، وغاية الصداقة يجب أن تكون فقط أن تزيدوا في عمق نفوسكم، وأدخر أفضل ما عندك لصديقك فيعرف أخبارك السعيدة والحزينة
19-الحديث: الناس يتحدثون في كل وقت، وأغلب الوقت يتحدثون ليهربون من مواجهة ذواتهم، فمنهم من يتحدث ضجرًا، ومنهم من يتحدث بحقيقة نفسه دون ان يدري، ومنكم من أودع الجق قولبهم ويأبوا الحديث، فاذا قابلت صديقك دع روحك تحرك شفتيك.
20-الزمان: الحياة لا تعرف حدود الزمان، فالأمس هو ذكرى اليوم والغد هو حلم اليوم، وقوتك الآن هي صدى لتلك القوى التي بدأت الكون، ولذلك يشعر البعض أن قوته على المحبة فائقة الحدود لأنها كانت كذلك بالفعل بل هي كذلك بالفعل، واذا أردتم تقسيم الزمان فلا تغيروه عن طبيعته، وأجعلوه دائمًا وأبدًا متحدًا حتى لو أختلف في المظهر الخارجي.
21-الخير والشر: "الشر ما هو إلا الخير المتألم آلامًا مبرحة من تعطشه ومجاعته، فإن الخير اذا جاع سعى إلى الطعام ولو في كهوف مظلمة، وإذا عطش فإنه يشرب حتى من المياه المنتنة"، الناس منهم الصالح ومنهم غير الشرير، فغير الشرير هو غير القادر على فعل المطلوب منه أو عدم فعله بكفاءة أناس آخرين، ولكن لا يوجد أشرار، حتى لو فشلوا في الهدف الأسمى وهو أن يكونوا واحدًا مع ذواتهم فهم ليسوا بأشرار، ولا يمكن للقادر الصالح أن يسأل غيره "لماذا لا تفعل ولماذا لا تسرع...الخ" لأنه الصالح الصالح حقًا لا يسأل العراة "أين ثيابكم" ولا الغرباء "أين منازلكم"
22-الصلاة: لا تقصر صلاتك على طلب أو حزن، بل أجعلها في أفراحك أيضًا، ولا تذهب للصلاة إلا إبتغاء التواصل مع ذلك الكيان الأكبر، ولا يمكنني تعليمكم الصلاة لأنها في نفوسكم، فقط حاولوا البحث عنها.
23-اللذة: العلاج لمن يبحثون عن اللذة باستمرار ليس القصاص منهم، ولكن تركهم يبحثون لأنهم سيكتشفوا أن اللذة في تفتيشهم عنها لا في الوصول إليها، ولا مفر من اللذة حتى أولئك الذين يدعون الإبتعاد عن اللذة يجدون في إبتعادهم هذا لذة، فلا يمكنك الهروب من حاجات جسدك، والصالح من اللذات ما يفيد الجميع
24- الجمال: كل شخص يرى الجمال وفق حاجاته، ولكن الجمال انشغاف وافتتان، فهو صورة تبصرونها ولو أغمضتم أعينكم وأنشودة تسمعونها ولو أغلقتت آذانكم، لأن الجمال هو الحياة بعينها، ولكن أنتم الحياة وأنتم الحجاب.
25-الدين: كل ما سبق من الدين، فالدين المعاملة، ولا فائدة من تقييد السلوك بقيود الفلسفة والتقليد، لأن أنشودة الحرية لا تخرج من شخص مقيد نفسه، وحياتنا كلها عبادة، عبادة لرب تجده حولك أينما كنت يلعب مع أطفالك ويمشي في السحاب -يبدو فزورة من نوع ما، ههه-، فلا فائدة من الأحاجي والألغاز في معرفته.
26-الموت: الحياة والموت واحد، فإذا أردتم فهم الموت أفتحوا قلوبكم على مصاريعها للحياة، وأفهموا ذواتكم وما في باطن أنفسكم لتفهموا الحياة.
هل إنقطاع التنفس غير تحرير النفس من دورانه المتواصل، لكي يستطيع أن ينهض من سجنه ويحلق في الفضاء ساعيًا إلى خالقه من غير قيد ولا عائق
الوداع: وصية جبران الشخصية فلن أتكلم فيها الحقيقة.
بالتأكيد الأبعاد النفسية في كتاب النبي وإسقاطها على سيرة جبران ممكن، ولكن لن يتسع المقام لذلك، فإعادة قراءة الكتاب 3 مرات لإستخلاص بعض أفكاره أمر شاق حقًا، وما زلت لم أتشربه كاملًا بعد، أطلت في بضعة محاور وأقصرت في أخرى حسب إهتماماتي أنا وجبران-وكأنه صديقي منذ الطفولة-.
والآن، هل هنالك محاور تختلف فيها مع المصطفى؟ ولماذا؟ هل قرأت كتب مثل كتاب "النبي"؟ ماذا أستفدت منها؟ هل ترى أن هذا النوع من المراجعات، او بالأصح الملخصات مفيد حقًا؟ -أعتقد أنني كتبته لنفسي أكثر من كوني كتبته للقراء-.
التعليقات