#ممتلئ_بالفراغ: تأملات حول التعافي من الإدمانات والسلوكيّات القهريّة 【 د عماد رشاد عثمان ، 400 صفحة 】

" بخير .." تلك المفردة التي تتمّ الإجابة بها عادة لا تنمّ كثيرا عن ما يتكالب داخل النّفس، ذي فئة معطوبة حد الشّرخ يتحدث عنها الكاتب، الطّبيب، والاختصاصيّ في الصّحة النّفسيّة، هنا يربت على قلوبهم، أن هو يفهمهم ويعي جيدا ما يكابدونه، لا يحاكمهم، لا يقاضيهم، تماما كما يفعل المعالج النّفسيّ، إنّه يتحدث إلى المدمنين والّذين يعانون من السلوكيّات القهريّة: كإدمان الكحوليات، مشاهدة الاباحيات، وممارسة الجنس، أو الاسراف في تناول الطعام، التّسوق، والهوس بالعوالم الافتراضية والسّوشيال ميديا والالتصاق بالهاتف .

المدمن أو من يحمل متلازمة قهريّة ليس بشخص سيئ الخلق أو ضعيف الإرادة، بل هو شخص يحمل مرضا نفسيا عُضالا، يحمل داخله قوة تدميريّة، ترغب بشدة في تحطيمه، للأسف تلك القوة ليست منفصلة عنه، إنّما هو من يدمّر ذاته بكل تلذّذ ، ومرضه ذا مرض مزمن لا أمل في شفائه، إلّا أن يحاول أن يتحكم فيه، كما هو الحال مع كل الأمراض المزمنة.

المدمن يعاني بشدّة من ويلات السّرية، الخزي، التواري، والوصمة الاجتماعية. هو شخص تكون الأشياء البسيطة الّتي يقوم بها الأشخاص الطّبيعيّون ثقيلة للغاية عليه دونما جرعة جديدة.

يفسر الكاتب الإدمان على أنّه بديل شائه لغياب الأمان الأول " كعلاقة مضطربة مع الوالدين "، يعلّله على أنّه تأريخ خفيّ لألم عميق ولغة بديلة ، كأنه حالة من الحداد على فقد قديم، اضطهاد في علاقة، كأنه إعادة تمثيل للمشهد الأول، للألم، للوجع، وكأنّ كلّ ممارسة إدمانية هي احتفالية فقد، أو كأنهّا استعادة لذكرى مشفّرة للألم، حداد على تلك الاحتياجات الّتي لم تلب ..

ومن غريب ما ورد أنّ المدمن شخص مبدع، يكتم إبداعه قهرا، عبر التّلهي عنه بالإدمان، فكل مدمن يحمل مهارة ما، مَلَكَةً ما، مساحة إبداع ..، لكن المؤسف أنّه عندما تختمره تلك الحالة الوجدانيّة التي تسبق المخاض الإبداعيّ لا يتحملها كحالة شعورية فيفرّ منها إلى ممارسة سلوكه الإدماني فيجهضه قبل ولادته. فبدل من أن يرفعه الإبداع، تُطْمَرُ ملكاته، تدفن مواهبه، ويتحوّل نحو الخسارة وجلد الذّات ..

كما ذُكر سالفا، الإدمان مرض نفسيّ لا شفاء منه ، لكن السّبيل الوحيد للنّجاة منه دونما التّفكير في الانتحار أو الموت أن يحاول المدمن إنقاذ بضعا منه، أن يتحكّم فيه مستعينا في ذلك أولا: بالقوة العظمى " الله "، مسلّما أمره إليه، معترفا بابتلائه. ومن فَمَ أن يستعين بمعالج نفسيّ، أو صديق ثقة يشاركه لحظات ضعفه،

كما أن الكتابة وتدوين اليوميات تعدّ متنفّسا له.

كما عليه أن يتعلّم أن يحبّ ذاته حبّا صحيّا، وهذا يؤهله أن يتوقّف عن القيام بأفعال معيّنة، وينفر من أن يضعها في مواقف تقلّل من قيمتها، كممارسة الإدمان مثلا.

ممّا يساعد المدمن أيضا الحالة الذّهنيّة الّتي يكون عليها: فالتسليم بوضعه ومرضه سيسهم كثيرا في تقوية صوت التعافي داخله.

من المبادئ التي تجعله يثبت على طريق العافية أن يسقط حساب الزمن من خطّة عافيته، فيَقصُر هدفه أن ينجوَ ليوم واحد آخر، ويوم آخر، دون أن يمارس سلوكه القهريّ، و ربما لساعة أخرى واخرى حتى يسلم يومه.

الوحدة والعزلة من أكثر العوامل الضّاغطة عليه، الّتي قد تؤدي لانتكاسته، لذا فليحرص أن لا يبقى وحيدا وأن يتشارك مع الآخرين نشاطاتهم .

المرح جزء من خطة التعافي، فليحرص أن يجعل للمتعة المباحة مساحة دورية في حياته .

وأهم شيء أن يتمتع بشعور يقظ ولا يفقد تركيزه على خطّة معافاته، فمتى ما ظنّ أنّه استتاب أمانه وسلم من خفاشه فذلك ناقوس اقتراب الانتكاسة.

الكتاب في آخره مدعم بأسئلة للمدمنين ومساحات للكتابة تعينهم على التدوين حول معاناتهم وفهم ما تتعتليه أنفسهم.

من التوفيق الربانيّ أنّي مررت بهذا الكتاب .. وكأنّي جلست لساعات مع طبيب نفسيّ يحدّثني في اختصاصه بلغة واضحة دقيقة وبسيطة، شكرا للدكتور عماد رشاد عثمان 🎩

رفقا بصغارنا حتى لا نصنع منهم مدمنين مستقبلا، ورفقا بكلٍّ مدمن في محيطنا.

اللهم شفاء لا يغادر سقما لكلّ محكوم عليه بالإدمان أو سلوك قهري.

خ. بشهرة 🌱💚