من أطرف المحاكمات وأشهرها، محاكمة الفئران في بلدة أوتون بفرنسا في القرن الخامس عشر؛ فقد اتهمت الفئران في هذه القرية بالتجمهر في الشوارع بشكل مزعج مقلق للراحة. وتقدم للدفاع عنها شاسانيه المحامي الفرنسي وطلب التأجيل لأن الفئران لم تتمكن من الحضور، حيث فيها الرضيع والمريض والعجوز، وهي تستطيع أن تستعد للمثول بين يدي المحكمة إذا منحت فرصة التأجيل، فوافقت المحكمة على التأجيل لوقت معين، ولما حان الوقت لم تحضر الفئران، فقال محامي الدفاع للمحكمة: إن الفئران تذعن لأوامركم الموقرة، وتود الحضور، ولكنها ياحضرات القضاة تخشى وقوع الأذى عليها من القطط إن هي جاءت إلى هنا. فرد رئيس المحكمة قائلا: إن من واجبنا تأمين المتهمين على حياتهم. فطلب المحامي أن تأمرالمحكمة بحبس قطط البلد كلها قبل مرور موكب الفئران في الشوراع لتكون مطمئنة على حياتها، فوافقت المحكمة على هذا الطلب لعدالته، وأصدرت أمرا بمنع القطط والكلاب من المرور في الشوراع تأمينا للفئران أثناء حضورها إلى قاعة المحكمة. ولكن أهل القرية رفضوا تنفيذ ذلك فاضطرت المحكمة إلى أن تحكم ببراءة الفئران لأنها حرمت وسائل الدفاع المشروعة!...

وقد نال المحامي بسبب هذه القضية شهرة ذائعة، ولا ندري إن كان قد أخذ أتعابه من الفئران أم لا، وربما كانت أتعابه أن تتعهد له الفئران بعدم قرض كتبه وأوراقه

ومن أغرب قضايا محاكمة الحيوان في القرون الوسطى محاكمة الديك الذي باض. فقد رفعت دعوى على ديك في مدينة بال بسويسرا عام 1474 لأنه باض، وذلك في عرف الأوربيين يومئذ جريمة شنيعة، إذ كان من المعروف عندهم أن السحرة يبحثون عن بيضة الديك ليستخدموها في أغراضهم الشيطانية. وقدم الديك للمحاكمة، ودافع محاميه عنه بقوله: كيف يكون الديك مسؤولا عن واقعة لا حيلة له فيها؟ ولكن المحكمة لم تأخذ بنظرية محامي الدفاع، بل أصدرت حكمها بإعدام الديك، وعللت حكمها بقولها: ليكون في ذلك عبرة لغيره من الديكة؟!

وفي عام 1495 وقعت قضية أخرى في فرنسا هي من أغرب المحاكمات الحيوانية أيضا؛ فقد رفع أصحاب مزارع العنب في مقاطعة سان جوليان دعوى على حشرات السوس بتهمة أنها أتلفت كرومهم وقضت على أشجارهم وصناعتهم وتجارتهم. وتولى الدفاع عن هذه الحشرات اثنان من كبار رجال القانون، واستمرت القضية أربعين عاما انتهت بأن أصحاب الكروم سئموا هذا التأخير، فاتفقوا على إقطاع السوس قطعة أرض خاصة ليأكل فيها ما يشاء من زروع وأشجار.

مقتبس من كتاب "من روائع حضارتنا" لمصطفى السباعي