في يوم وفاة صنع الله إبراهيم.. هل عكست روايته "ذات" الواقع المصري فعلًا؟

أنا لم أقرا الرواية ولا أعلم كيف كان الواقع المصري أثناء كتابتها ولكن..لو طبقنا منطق "هل هذا هو الواقع كله؟" على أي عمل فني، لما صدقنا أي رواية أو لوحة. فهل لوحة تصور فلاحا متعبا تعكس كل الريف؟ لا، لكنها تعكس حقيقة موجودة فيه ولو بنسبة.. ولذلك أتوقع أن "ذات" (بحسب وصفك لها) لم تكن كل الواقع المصري، لكنها كانت الحقيقة الممثلة ربما للطبقة المتوسطة المصرية وهي تتآكل تحت ضغط تغيرات سياسية واقتصادية لم تكن تفهمها.

وربما يكون نجاح "ذات" لكون القارئ المنتمي لهذه الطبقة رأى فيها انعكاسا لهمومه الكبيرة، وشعر بأن هناك من قال أخيرا الحقيقة التي يعيشونها كل يوم، الحقيقة التي لا تُقال في الأخبار..

روايته، التي تحولت إلى مسلسل "بنت اسمها ذات"، لم تكن مجرد قصة عن امرأة من الطبقة المتوسطة تمر بتحولات الحياة من زواج وأمومة وعمل، بل كانت لوحة بانورامية تروي قصة مصر نفسها عبر عقود مضطربة من عصر السادات إلى مبارك، بلمسة نسوية ذكية تلتقط تفاصيل التحديات اليومية للمرأة المصرية بصدق لا يضاهى، وما يجعلها مدهشة هو قدرتها على نسج الواقع الاجتماعي والسياسي – من الانفتاح الاقتصادي إلى تغيرات الشارع – في حياة "ذات"، التي جسدتها نيللي كريم ببراعة جعلت الجمهور يرى نفسه فيها، لكن ربما ميل صنع الله اليساري الصريح جعل الرواية تميل أحيانًا إلى تصوير مثالي لصراعات الطبقة المتوسطة، مما قد يدفعني للتفكير عما إذا كانت تعكس الواقع بكل تعقيداته أم تضفي عليه فقط طابعاً درامياً يعزز الفكر اليساري أكثر مما يعزز طبيعة الشعب المصري ، ومع ذلك، نجاح المسلسل يعود إلى قدرته على تحويل هذه الرؤية إلى لغة بصرية مألوفة، حيث الشوارع المزدحمة، والملابس المتغيرة، وصراعات الأسرة تنبض بحياة تجعل كل مشاهد يشعر أن "ذات" هي جارته أو أخته، فالرواية والمسلسل معاً لم يكونا مجرد سرد، بل كانا دعوة لنتأمل كيف تشكل السياسة والمجتمع تصرافتنا عبر الزمن، وكيف تبقى المرأة، بكل قوتها وهشاشتها، محور هذه التحولات.

رواية ذات لم تكن مجرد حكاية شخصية، بل مرآة واسعة عكست التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في مصر عبر عقود، من سياسات الانفتاح إلى تغير القيم وأنماط الحياة. نجاح العمل، سواء الرواية أو المسلسل، جاء من مزجه بين الخاص والعام؛ إذ جعل قصة امرأة عادية تجسد رحلة مجتمع كامل، مع لمسات نقدية واضحة للسلطة والفساد وتغير الأخلاق. الجانب النسوي أضفى عمقًا إضافيًا، لأنه تناول قضايا المرأة في سياق أوسع من مجرد حكايات فردية.