بسم الله الرحمن الرحيم
مقتطفات من كتاب (مفاهيم فلسفية)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
كتاب (مفاهيم فلسفية), تأليف: بريجيت لابه – ميشيل بوش، ترجمة: أثمار عباس، الطبعة الأولى: 2023 م – 1444 هـ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، سورية – دمشق.
1- دورة الحياة
تعتقد كاميلا أنه من القسوة والفظاظة أن يقتل الإنسان البقر، عندما يتناول أخوها قطعة الهمبرجر ليأكلها تناديه بالقاتل، خصوصاً عندما ترى قطرات الدم تسيل من اللحم على الصحن، أما هي فتأخذ قطعة صغيرة من الخبز وتضع عليها قليلاً من الخضار، وبعض من قطع الطماطم والخيار مع شرائح الجبن وقليلاً من المايونيز، إنها تحب هذا الطعام وتعتبره قمّة في الروعة. يبدأ أخوها بمضايقتها لإثارة غضبها فيشاكسها بقصة قاتلي البقر.
عندما تصنع كاميلا تلك السندويتش الصغير من قطعة الخبز مع الخضار كالتي تحبها، فهي أيضاً استخدمت كائنات حية، وذلك لأنها مصنوعة من كائنات حية أيضاً. إنك لكي تصنع خبزاً فإنك تحتاج إلى بذور حبّة الخبز، أي الحنطة، إن حبوب الخبز هي كائنات حيّة كانت تعيش على الأرض في الحقل، ولكن عندما قطفوها ماتت، هناك من حصدها وطحنها لتصبح طحيناً. كذلك هو الحال مع مادة المايونيز، فقد كانت بيضاً الذي كان ربما سيصبح أفراخاً صغيرة، كذلك الطماطم والخيار، إنها أيضاً كائنات حية، ولكي تستخدم الأجبان في طعامك تحتاج إلى الحليب، ولكي تحصل على الحليب تحتاج إلى البقر، وكي تحصل على بقرٍ سليم يعطيك حليباً سليماً، يجب أن ترعى الأبقار في المروج لتأكل من الحشائش الحيّة، إذن البقر أيضاً يقتل الحشائش ليعيش عليها. إنها دورة حياة، مخلوقات حيّة تأكل مخلوقات أخرى، أيضاً حيّة، لتعيش، التماسيح تأكل الضفادع، الضفادع تأكل الجنادب، الجنادب تبلع البعوض، البعوض يعيش على مصّ الدماء من الحيوانات الأخرى، أو على دم الإنسان. إن كاميلا على حق عندما ترفض أن تأكل لحم البقر، وأنها تحب قطعة الخبز الصغيرة، وذلك لأن حياة البقر بالنسبة إليها أمر مهمّ أكثر من حياة حبوب القمح التي تعيش في الحقول). الصفحة (11-12).
( قال تعالى: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) )). (سورة الأعراف) آية (31). ).
2- موتنا الخاص بنا
في السيرك هناك نشاطات عديدة يقوم بها الفنانون. هناك الفرقة المسرحية التي ستقدم اليوم، ورعد عشرة دقائق، عرضها الجديد. لاعبي الجمباز (جيم وأليس) سيقدمان عرضهما الأول، ويشعر كل منهما بفرح شديد، لأن هذه الليلة لها أهمية كبيرة في حياتهما، إنهما يحبان دورهما واستعراضهما الجديد، إنه استعراض فريد من نوعه، لم يسبق أن قُدّم من قبل، لقد اشتغل "جيم وأليس" لمدة شهر كامل على تدريبات مثيرة ويشعر كل منهما بأنه جاهز لتقديم استعراض رائع. ها هما الآن يلمعان ويبرقان بشكلهما، فهما يرتديان أزياءهما الخاصة بلاعبي الجمباز، مكياج صارخ جميل، وجميع الأدوات ولوازم الاستعراض موضوعة في مكانها وجاهزة. بالطبع إن (جيم وأليس) مرتبكان قليلاً وذلك من هيبة المسرح، والوقوف أمام الجمهور، لكنها يعرفان بأن هذا التوتّر سيختفي عند أول ظهورهما في حلقة السيرك. أما المهرج رودولف فوجهه مملوء بالتعرق، ويشعر بقلق مريع للغاية، لأن العرض سيبدأ ولم يجد فردة حذائه اليسرى. بالإضافة إلى أنه يعرف أن لديه ذاكرة سيئة، فظلّ واقفاً حائراً يشعر بانقطاع في ذاكرته، ولم يعد يتذكر شيئاً عن دوره الذي سيؤديه، وذلك لأنه لم يقم بالتدريب بشكل كافٍ على قفشاته الساخرة التي سيلقيها أمام الجمهور. وهكذا وفي الدقائق الأخيرة على بدء تقديم فقرته، ضربت في رأسه فجأة، وأحسَّ بأن العرض الأول وهو لم يكن جاهزاً لأي شيء. في تلك اللحظة رغب رودولف لو أنه يختفي تحت الأرض.
كان مدرب الحيوانات هاري متضايقاً جداً، يشعر بندم كبير لأنه لم يكن مستعداً لتقديم استعراضه مع النمر الأرقط. بالتأكيد يصعب على هاري السيطرة على حيوان وحشي مثل النمر من دون أن يحتاج إلى أن يقوم بتدريبات طويلة. وبّخ هاري نفسه ولامها لأن أحلى حيواناته الشرسة سوف لن يخرج إلى حلبة السيرك ويقدم عرضه الليلة. إنه الآن حزين، ومنزعج، ويشعر بخوف شديد فيما لو أنه أراد أن يُظهر النمر الأرقط أمام الجمهور، وتمنى لو أنه عاد به الزمن إلى ما قبل شهر لتحلّى بالجرأة قليلاً، ولتمرّن النمر الأرقط، وحضّرا فقرتهما لهذه الليلة.
كذلك هو الحال قبل لحظات الموت. هناك أناس مستعدون لهذه اللحظة، كما في شخصيتي (جيم وأليس) مثلاً، أناس جاهزون لهذا الحدث، حيث يشعرون بالرضا لما قدّموه وما فعلوه في حياتهم. مثل هؤلاء، عاشوا حياتهم بحريّة وقناعة، سعداء بنجاحاتهم، يدركون بأنهم سيتركون هذه الحياة يوماً ما، لذا يعملون بجد ليتركوا ذكرى وأثراً جميلاً وراءهم. تماماً كالثنائي (جيم وأليس) اللذان يدركان ما ينتظرهما. بينما الآخرون كانوا مذعورين مرتبكين، مثل شخصية المهرج رودولف الذي لم يكن يفكّر حتى في أي يوم سيكون تقديم العرض، فيشعر بالهلع الشديد عند لحظة اقتراب ساعته.
يمكن للمرء ببساطة شديدة أن ينسى أنّ الموت موجود في الحياة، ويعتقد أنه سيعيش دائماً. وهناك الكثيرون مثل المهرج هاري، الذي ندم وهو يفكّر في اللحظة الأخيرة ماذا يُفترض به أن يفعل. إن هاري لم يستوعب حقاً ماذا كان يريد أن يعمل، فندم وتمنّى لو يعود به الزمن إلى ما قبل شهر ليتدرب جيداً). الصفحة (28-29-30).
3- ( إن الظلم يخلق العنف. لهذا السبب فإن الظلم يتكون من العنف. أن تقرأ لو، يافطة، أو شاخصة عند مدخل بوابة الحديقة مكتوب عليها "ممنوع دخول الناس السود" هذا هو العنف بحد ذاته. إنه أسوأ من أن تضرب أحداً بقبضة يدك على وجهه. وعندما يتلقّى المرء ضربة على وجهه، من الصعب عليه أن يقف متفرجاً من دون أن يردّها بضربة أخرى). الصفحة (79).
4- (لعل المرء يتسائل ما هو الأمر الأكثر إيلاماً لميخائيل، هل شعوره بالحزن لعدم حصوله على الدراجة الناريّة؟ أم لأن والديه لم يفيا بوعدهما. لم يهتم ميخائيل لتبريرات والديه، ولم يُعر الأمر اهتماماً في أنه كان حقيقة أم لا، لكنه شعر بذهول تام لذلك. لقد فقد القدرة على تصديقهما. وتسائل كيف يمكنه أن يصدقهما مرة أخرى؟ وهل سيكون قادراً بالأساس على تصديق ما يقولانه بعد الآن؟). الصفحة (89).
كتاب (مفاهيم فلسفية), تأليف: بريجيت لابه – ميشيل بوش، ترجمة: أثمار عباس، الطبعة الأولى: 2023 م – 1444 هـ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، سورية – دمشق.
التعليقات