يبدأ الرافعى رحمة الله عليه مقاله كالعادة  بالتشويق ؛سمو الحب؛فعن أى سمو يتحدث؟! وإذا ما ذكر الحب ذكر معه الألم والشوق والجفاء، يبدأ مقالته فى موسم الحج والجمع قد لبوا نداء خليل الله ، وأتوا إلى بيت الله من كل صوب لقضاء شعائر الحج، وقد كان المفتى هذا العام عطاء مفتى بنى أمية ، فقد كانت من عادتهم جمع الناس فى موسم الحج على مفتى واحد، فجاءه شاب سائلا، هل أفتيت كما قال الشاعر(سل المفتى المكى هل من تزاور وضمة مشتاق الفؤاد جناح)، فأخبره أنه ما أفتى بهذا و إنما انتحله أحدهم، وأثار السؤال فى نفسه أن الأمة فى طامة كبرى فهذا موسم الحج، موسم الغفران، وهل فى مثل هذه الأيام يسأل عن هذا؟! فشعر أن الناس فى حاجة لمن يحدثهم حديث صدق عن الحب ليفرق لهم بين الحق والباطل، فأخبره أن فى الغد سيكون حديثه عن الحب، فذاع الخبر فى الناس كالنار فى الهشيم، واجتمع الجمع لينصتوا لهذا الشيخ الذى لم يفارق مسجده وجل حديثه مؤيد بالكتاب والسنة، فعن أى حب سيتحدث ؟!، امتلأ المسجد بالناس وجلس الشيخ فى مجلسه الذى يجلسه كل يوم، وكان فى الحضور شاب يدعى عبد الرحمن كان من المدينة وقد فتن بالغناء والنساء، وفى نفسه من الدنيا الكثير والكثير، جلس ليستمع لقول الشيخ عن الحب؛ لكنه رأى رجلا به ما به من الإبتلاءت؛ أسود أعرج أفطس أشل، لكن ثمة هيبة تحيط به و نور يشع منه، وحديث يأثر قلبك فلا تغادره إلا وقد امتلاء قلبك له إجلالا وهيبة، ولا تغادره إلا وقد تغير فيك شئ؛ باطلا قد تدحضض أمام حق، ولما لا؟ والرسول صلوات الله وسلامه عليه أخبرنا أنه من يرد الله به  خيرا يفقهه فى الدين؛ ولما لا؟ وقد روينا أن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم، فكيف الحال  بقلب أولياء الله، وقد روينا أن العلماء هم أولياء الله ، ولما لا؟ وقد جلس مجلسا تحفه الملائكة ويذكر فى الملأ الأعلى، ومن جلس  وليس من أهل المجلس نالته الرحمة والمغفرة؛ فهم القوم لا يشقى جليسهم ، ولما لا؟ وقد نال حظه من النبوة، فجلس عبد الرحمن منصت بقلبه وبكل جارحة، فكان حديثه عن قصة حب زليخة لنبى الله يوسف، وكيف نزع هذا الحب ثوب الملك وثوب الحياء وجرد الملكة من كل فضيلة فلم يبقى فيها إلا نفس تطلب نفس فى غير حل لها.

فأين السمو فى هذا؟! إذ شأن السمو هو أن يرفع صاحبه ويسمو به فوق غرائزه  إنه الدنو ونعوذ بالله منه.

السبت

14 شعبان 1445 هجريا

24 فبراير 2024 ميلاديا