بسم الله الرحمن الرحيم

مقتطفات من كتاب (مقاصد الفلاسفة)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

كتاب (مقاصد الفلاسفة), حجة الإسلام أبي حامد الغزالي, حققه وقدّم له: محمد بيجوْ, الطبعة الأولى 1420هـ/2000م, مطبعة الضباح.

1-       ( (وأما المظنونات) فما يفيد غلبة الظن مع الشعور بإمكان نقيضه كما أن من خرج ليلاً يقال: إنه خائن إذ لو لم يكن خائناً لم يخرج ليلاً, وكما يقال: إن فلاناً يناجي العدو فهو عدو مثله أيضاً مع إنه يحتمل أن يكون مناجاته إياه خداعاً له أو حيلة عليه لأجل الصديق ). الصفحة (50).

2-       ( (السادس) أن لا تقبل المهملات فإنها تخيل الصدق, ولو حصر المهمل تنبه العقل لكونه كاذباً فإذا قيل: الإنسان في خسر قبله النفس وصدقت به ولو حصر وقيل: كل إنسان لا محالة في خسر تنبه العقل لكون ذلك غير واجب على العموم, فإذا قيل: صديق عدوك عدوك قبله النفس وإذا حصر وقيل: كل من هو صديق عدوك فلابد وأن يكون عدوك تنبه العقل لكون ذلك غير واجب بالضرورة على العموم). الصفحة (54).

3-       (ومثاله الذي يعشق ملكاً من الملوك فأقبل عليه لخدمته, كان تبجحه وابتهاجه وتفاخره بمشاهدة جمال الملك وكونه عبداً مقبولاً عنده, أكثر من تبجحه بجسمه وقوته وأبيه ونسبه, وكما أن سرورنا أكمل من سرور البهائم, لما بيننا وبينها من التفاوت في الكمال بالقدرة والعقل واعتدال الخلقة, فسرور الملائكة أيضاً أكثر من سرورنا, وإن لم يكن لهم شهوة البطن والفرج, وذلك لقربهم من رب العالمين وأمنهم من زوال ما هم فيه أبد الدهر, والإنسان له سبيل إلى أن يكتسب سعادة أبدية, بأن يخرج القوة العقلية من القوة إلى الفعل, بأن ينتقش فيها الوجود كله على ترتيبه, فيدرك الأول والملائكة وما بعدها من الموجودات, وربما يحسّ بأدنى لذة من الاطلاع عليها في هذه الحياة مع اشتغاله بالبدن, فإذا فارق البدن بالموت وارتفع المانع, تكاملت اللذة وانكشف الغطاء ودامت السعادة أبد الآبدين, ويلتحق بالملأ الأعلى, ويكون رفيق الملائكة في القرب من الأول الحق قرباً بالصفة, لا بالمكان فهذا معنى السعادة فقط). الصفحة (130).

4-       (... وهذا الذي استقر عند (ارسطاطاليس) في كيفية الإدراك, وأما من قبله فقالوا: لابد من اتصال بين الحس والمحسوس حتى يحصل الإحساس, قالوا: وإذا استحال أن ينفصل من المبصر صورة ويمتد إلى العين فلابد وأن ينفصل من العين جسم لطيف هو الشعاع ويتصل بالمبصر, وبواسطته يحصل الإبصار وهذا محال, إذا متى تتسع العين لأجسام تنبسط على نصف العالم ونصف كرة السماء فاستبشع هذا طائفة من الأطباء فاحتالوا له وقالوا: إن الهواء المتصل بالعين يحدث فيه الانفعال بسبب خروج شعاع يسير من العين واشتباكه بشعاع الهواء حتى يصيرا كالشيء الواحد في أقل من طرفة العين ويصير بمجموعهما آلة في الإبصار وهذا أيضاً محال من وجوه:

(الأول) إن الهواء إن كان يصير آلة يبصر بها حتى يكون هو المبصر (كالحدقة) مثلاً فحينئذ إذا اجتمع جماعة من ذوي الأبصار فينبغي أن يقوى إدراك الضعيف البصر الذي معهم فإن شعاعه إن ضعف عن إحالة الهواء فهذه الأشعة الكثيرة اشتبكت بالهواء فيجب أن يستعين الضعيف بكثرة أشعة الإبصار كما يستعين بقوة ضوء السراج, وإن كانت الصورة المبصرة لا تظهر في الهواء بل في العين ولكن بواسطة الهواء يصل إليها فأي حاجة في خروج الشعاع والهواء متصل بجرم العين والمبصر متصل بالهواء فينبغي أن يوصل الهواء الصورة بغير شعاع.

(الوجه الثاني) وهو مبطل لأصل الشعاع وإن الشعاع لا يخلو إما أن يكون عرضاً فيستحيل عليه الانتقال, أو جسماً فيلزم منه محال لأنه إن كان لا يبقى متصلاً بالعين ممتداً مثل الخطوط فلا يؤثر في العين ما انفصل عنها, وإن بقي متصلاً به فينبغي أن يتفرق ويدرك الشيء متفرقاً وينبغي أن يكون مثل خيط ممدود فإذا هبت ريح أمالته إلى موضع آخر وأخرجته عن استقامته فيجب أن يرى ما ليس على مقابلته بإمالة الريح إياه أو يقطع اتصاله فيمنع الرؤية.

(والثالث) أنه لو كان ينفصل من العين مائلاً في المبصر لكان يدرك المبصر قريباً وبعيداً على وجه واحد من غير تفاوت في القدر, لأن الملاقي مطابق للملاقي في الحالين... ). الصفحة (197- 198).

5-       (وأما الوهمية فهي التي تدرك من المحسوس ما ليس بمحسوس, كما تدرك الشاة عداوة الذئب وليس ذلك بالعين بل بقوة أخرى وهي للبهائم مثل العقل للإنسان). الصفحة (199).

6-       (وأما المتخيلة فهي قوة في وسط الدماغ شأنها التحريك لا الإدراك, أعني أنها تفتش عما في خزانة الصور وعما في خزانة المعاني, فإنها مركوزة بينهما وتعمل فيها بالتركيب والتفصيل فقط, فتصور إنساناً يطير وشخصاً واحداً نصفه إنسان ونصفه فرس وأمثال ذلك, وليس لها اختراع صورة من غير مثال سابق بل تركب ما ثبت في الخيال متفرقاً أو تفرق مجموعاً وهذه تسمى مفكرة في الإنسان... ). الصفحة (199).

7-       ( (العاشر) في إثبات أن النبي لابد له أن يدخل تحت الوجود, وأن يصدق بدخوله في الوجود, وذلك أن العالم لا ينتظم إلا بقانون مسموع بين كافة الخلق يحكمون به بالعدل وإلا تقاتلوا وهلك العالم, وكما لابد لنظام العالم من المطر مثلاً والعناية الإلهية لم تقتصر عن إرسال السماء مدراراً فنظام العالم لا يستغني عمن يُعرفهم وجه صلاح الدنيا والآخرة, ولا يشتغل بذلك كل واحد وهذا النظام موجود في العالم, فإذن سبب النظام موجود ومن هو سبب النظام في العالم فهو خليفة الله في أرضه إذ بواسطته يتم في خلق الله تعالى الهداية إلى مصالح الدنيا والآخرة, وإلا فالخلق دون الهداية لا يقتضي إلى خير ولذلك قال تعالى: (( وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ (3) )). (سورة الأعلى) آية (3).

وقال عزَّ وجلَّ: (( أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ (50) )). (سورة طه) آية (50). فالملك واسطة بين الله تعالى والنبي. والنبيّ واسطة بين الملك والعلماء. والعلماء واسطة بين النبي والعوام. والعالم قريب من النبي. والنبي قريب من الملك, والملك قريب من الله سبحانه وتعالى, ثم تتفاوت درجات الملائكة والأنبياء والعلماء في مراتب القرب تفاوتاً لا يحصى ). الصفحة ( 222-223).

كتاب (مقاصد الفلاسفة), حجة الإسلام أبي حامد الغزالي, حققه وقدّم له: محمد بيجوْ, الطبعة الأولى 1420هـ/2000م, مطبعة الضباح.