دخل الغرفة يستشيط غضبا وينفخ جزعا ، هنا بدأ كل شيء. ثم جال ببصره في في المكان المظلم ، ولم يحتج إلى الأنوار ليتعرف على السرير أمامه والمرآة على يمينه ، بل كانت مخيلته أقوى من أن يضغط قاطع التيار ذاك . ولعله خاف أن تكون تلك الكبسة سببا في انفجار سد عظيم من الذكريات السعيدة التي انقلبت في لحظة إلى غضب و أسى فلا يستطيع إيقاف هيجانه ويكون بذلك هو الخاسر الوحيد من جديد .نعم هنا بدأ كل شيء وهنا انتهى كذلك ، ما اجمل اللقاء لولا الفراق ، وكيف انخدع بها في اول لقاء ، كيف تلاعبت به وهو داهية زمانه أ هو سحر عتيد ؟أم إعجاب لا شفاء منه إلا بعقد و تحصين ؟أولا تنصهر العقول وتذوب بحضور الحب ؟ ولن يلومه أي آدمي ، فقد أخدت من الجمال ما جعلها تتربع على عرش حسناوات الحارة كلهن ؛ وجه مستدير مليء لا تمله عين مشاهد ، بلغ من المثالية ما يجعلك تتخيل كل جزء منه معادلة رياضية متكاملة ، أما عيناها فهما لؤلؤتان حيتان أضاءتا حياته فظن أن نورهما لن يفارقه أبدا ، أنفها مثلت متساوي الساقين ، أما الباقي فلا يمكن وصفه إلا بالمثالية و التكامل . ثم ماذا بعد ؟ ها هو يجلس وحيدا وهي لا تفارق تفكيره ولعل أمنيته الوحيدة هي الاستيقاظ من هذا الكابوس الفظيع . 

- آخخ ، لعبت بي تلك الفاجرة ، الله يحفظ من غياب العقل والتفكير السليم .

و لم يستطع تمالك أعصابه أكثر ، فراح يعبث في الغرفة فيقلبها رأسا على عقب محطما كل ما وجده أمامه بقوة وشراسة ، لقد ظن المسكين أنه سيدفنها تحت كل هذه الأنقاض ، لكن هيهات أن يستطيع ذلك ، مصيبتك يا عزيزي لن تحل بين ليلة وضحاها ، فقط اصبر فالفرج آت لا ريب ، واحذر أن يلتهمك الغضب وتندم بعد ذلك . وقبل أن يشرع في لكم زجاج المرآة ، تزامن فعله هذا مع مرور احدى السيارات بقرب شقته ، فرأى وجهه و هو يبدو ككلب مسعور ، أشفق على حاله ثم صرخ بكل ما أوتي من قوة بعدها رمى بجسده على السرير مستسلما

(طق طق طق )

- البوليس ، نحن نعلم انك بالداخل ، لن تفيدك هذه المماطلة بشيء .

وفي رمشة عين وقف من على السرير مذعورا ، ثم قصد الباب يتمايل في تعب ، فتحه ليتفاجأ برجلين ممتلئين من المخزن ، ألقيا التحية عليه و وضع أحدهم ورقة بيده , ثم اندفعا نحو الشقة . وما هي إلا ثوان معدودات حتى عادا ومعهما كيس أسود ، لم يكن بحوزتهما عند دخولهما ، انقض عليه الضابط بسرعة فأداره بقسوة ليواجه الحائط خلفه ، لكنه لم يحس بأي مقاومة منه فلم يجد بدا من تكبيله بعدها أخرجه أمام مئات الأعين التي تلتهم أوجههم إلتهاما في محاولة لفهم ما يحدث ، ثم أدخله السيارة و انطلقوا بسرعة نحو مخفر الشرطة .

- أنت قتلتها ؟

- لا يا سيدي لم أفعل ذلك ، لدي حجة غياب قوية. 

مد المفتش يده لأسفل المكتب ثم وضع أمامه بضعة أكياس بلاستيكية شفافة بها خيط رفيع و سلاح ناري صغير معه كاتم صوت و أخيرا سكين متوسط الحجم .

- إذا حدثني عن سبب وجود كل هذه الأشياء في شقتك .

- أنا لم أقتلها سيدي .

- ومن فعل ذلك ؟ لابد أنك تعلم فأنت زوجها السابق أليس كذلك ؟ 

- هي مازالت زوجتي وفقا للقانون فلم نكمل إجراءات الطلاق بعد .

- لكني سمعت أنها شوهدت مع رجل آخر من الحارة ، دعني أتذكر ألم يكن صديقك المقرب ؟ ثم أين؟ في بيتك بل في سريرك حتى . اسمع أنا أفهم دوافعك . فقط اعترف بالجرم المنسوب إليك ، لعل فعلك هذا يذهب عنك بعض السيئات.

انقبضت أساريره في جزع ، فضرب المكتب بقوة وقام منتصبا وعيناه متبثتين على المفتش لا تفارقانه ، لكنه عاد إلى مجلسه عندما تأكد أنه العنصر الأضعف داخل هذه الغرفة. 

- إذا ألن تحدثنا عن تفاصيل الجريمة ؟

- أنا لست القاتل يا سيدي. 

- اسمع ، لا داعي أن تضيع وقتنا ، أنت مدان ولا فائدة من الإنكار فقد وجدنا بصماتك على كل الأسلحة المستخدمة في الجريمة ، لكن ما لا نفهم أنك كنت تستطيع إخفاء أسلحة الجريمة وتتملص بذلك من العقاب ، فلماذا احتفظت بها في بيتك بل الأكثر من ذلك في مكان مكشوف ؟ 

- ذلك أنني لست المجرم يا سيدي. 

- وقف المفتش وهو لايزال متمالكا أعصابه. ثم راح يجول في المكتب ذهابا و إيابا حتى توقف خلفه وسأله في غضب : 

إذا من المجرم الحقيقي الذي حاول الايقاع بك في نظرك؟ 

- صمت طويلا ثم قال في أسى : إنه شرفي يا سيدي .