هل سألت نفسك يوماً: لماذا نعاني؟ وكيف نتخلص من معاناتنا؟ هنا يجيبك بوذا الحكيم في فلسفته التي قراتها في كتاب " الفكر الشرقي القديم" من سلسلة عالم المعرفة. يرى بوذا أن لا مفر من المعاناة مطلقاً؛ إذ هي صفة لازمة للوجود الإنساني. فلا مفر من المرض أو الشيخوخة أو الموت أو الجوع أو الشقاء والحرمان والكوارث الطبيعية وتلك هي المعاناة الصريحة. وحتى اللذة يتخللها ألم ناجم عن التفكير في فراقها وتلك هي المعاناة الضمنية، كما يقول الشاعر:
لا طيب للعيش ما دامت منغصة ****** لذاته بإدكار الموت والهرم!
فليس هناك لذة خالصة. يخلص بوذا إلى أن المعاناة مردها إلى " التعلق" برغبات النفس. فلو لم يكن هنالك رغبات لما كان خوف لفراقها وهي موجودة أو ألم وحسرة عند عدم تحصيلها. إذن، فقطع التعلق برغبات النفس هو الخلاص من المعاناة. ولكن ما النفس؟
يرى بوذا أن عنصراً من مكونات الوجود الإنساني هو " الأنا" فهي مناط التعلق بالرغبات وبالتالي موضوع المعاناة. فالاعتقاد الراسخ ب “جوهرية" الأنا هو سبب المعاناة. فالإنسان منا يعتقد بان نفسه هبطت عليه من " خارج الحياة والظروف المادية التي نحيا فيها، فيسأل نفسه: كيف تسلبني الحياة شيئاً جوهرياً علوياً سماوياً؟ الحياة لم تمنحني نفسي لتأخذها مني؟!!
ومن هنا يأتي رأي بوذا في " اللا أنا “Anatta فليست النفس جوهر مطلق قائم بذاته. ثم يتساءل بوذا: وما الذي يدفع الإنسان إلى المعاناة أصلاً؟ يقول: إن المرء يعاني لأنه " يتشبث" برغباته او يتحرق "لتجنب" أشياء بعينها. والذي ينشئ التشبث هو وجود الرغبة و التي لم تكن لتوجد لولا الإدراك لموضوع الرغبة وتلك بدورها لم تكن لتوجد أيضا لولا الانطباعات الحسية من " سمع ورؤية ولمس وشم.. إلخ... وتلك الانطباعات الحسية تولدها الحواس التي بدورها توجد بوجود الجسم و العقل والوعي بهما كمتمايزين عن الحياة . هنا يقول بوذا أن ذلك الوعي يعتمد على وجود " الدافع للفعل" والذي بدوره يتولد عن الجهل بحقيقة النفس. فليست النفس البشرية مكون سماوي مستقل بذاته سرمدي لا يعتريه النقصان أو الزيادة. وذلك الجهل هو أس المعاناة؛ فما " الأنا أو النفس" إلا مجموع تلك العمليات من وعي وإدراك ورغبات وتشبث بالرغبات. إذن فالنفس تولد بالجهل وتشيخ وتموت أيضاً. فالشيخوخة والموت للنفس هي أمثلة لمجموعة العذابات التي تحدث في حياة الأفراد.. وإذا لم يكن هناك ميلاد للنفس فمن الأحرى ألا يكون هناك موت لها. والنرفانا (انطفاء الرغبات) هي قمة الاستنارة عند بوذا؛ فلا تتحرك نفسك إلى الدنيا سواء أقبلت عليك أم أدبرت عنك.
فهل تؤيد تلك الفلسفة؟ وهل هي صالحة للتطبيق الفعلي؟ أم هناك طرق أخرى؟
التعليقات