دعونا نرجع لبضع سنواتٍ إلى الوراء حين كنا ندرس في المدرسة، حين كان الفصل يبدو هادئاً تماماً في ظل وجود الأستاذ الذي يحمل العصا لكل من تسول له نفسه أن يحدث ضجيجاً، وفور انتهاء الحصة وبمجرد أن يسمع التلاميذ صوت الجرس، نجد الضجيج والمزاح عمَّ الفصل.

هذا هو ما يحدث مع الجميع وفي مختلف الأعمار، وما يحدث في هذا الفصل الدراسي ما هو إلا مثال صغير على أفعالنا التي تكبر وتعيش معنا، ففي ظل صرامة القوانين ووجود عقوبات صارمة تزداد نسبة احترام القانون من الجميع، بل ويكتسب الناس صفات حسنة كالمساعدة واحترام الغير وعدم الحاق الأذى بأي شخص يختلف معهم في الرأي والإبلاغ عن المخالفين.

ولكن بمجرد اختفاء هذا القانون لأي سبب نجد تغيراً جذرياً في أفعال معظم الناس وتتغير صفاتهم.

ولكن هل حقيقة الناس فعلاً في أوقات صرامة القوانين ووجود الرقابة؟، هذه الفترة التي يظهر فيها الناس بأفضل شكل ممكن؟

أم أن حقيقتهم تظهر وقت انعدام العمل بالقوانين؟

يقول ألبرتو مورافيا في روايته "الشوشارية " مجيباً عن هذا السؤال :

" ‬‏يجب ان نحكم على الناس خلال زمن الحرب وليس خلال السلام، أي ليس عندما يسود القانون واحترام الآخرين والخوف من الله، بل عندما لا تكون هذه الامور موجودة، فيتصرف كل شخص على هواه، وكما تملي عليه طبيعته، دون ايّ ضابط أو مراعاة لايّ شيء "

أتفق جداً مع ما قاله ألبرتوا مورافيا في هذا الصدد، فمن وجهة نظري أن طبيعة الإنسان تبدو جلية حين يكون حراً تماماً دون أي نوع من التقييد، فإن كان صادقاً في ظل وجود قانون يقول بأن عقوبة الكذب هي الحبس فإن صدقه هذا (غير حقيقي) سيكون حقيقياً فقط إن تم اختباره.

وكذلك فتأكد يا صديقي القارئ أن نسبة كبيرة من صفاتك تلك قد لا تكون حقيقية..نعم! إن لم يتم اختبارها لن تعرف حقيقتها أبداً، فمثلاً إن كان معروف عنك الأمانة وصدقت ذلك دون أن تقع في موقف مثل:

(أنك تجد حقيبة مليئة بالمال ستفيدك كثيراً ولن تعاقب إن أخذتها) فإن أمانتك لم تختبر بعد وبالتالي هي محض افتراض قد يكون خاطئاً إن اختبرت اختبار حقيقي.

والآن عزيزي القارئ:

ما هي الطريقة التي تتبعها للحكم على الناس؟ وهل أنت ممن يثق في غيره سريعاً بأقل قدر من الدلائل؟