من الجيد ألا تقتصر قراءات المرء على الروايات والكتب الدينية، حيث يفيد التنوع في إثراء الحصيلة العلمية من جهة، ومن جهة أخرى يفيد ذلك في حث العقل على التأمل. ومن ذلك كتب الأدب الساخر، أو المقال، وليست السخرية بالضرورة مساوية للمزاح والضحك، وإنما بعض الضحك يتولد أحيانا من البكاء. ومن أحدث هذه الكتب "ابتسامة من وحي الوباء" للكاتب المغربي د. يوسف أبوعلي.

اقتباس:

هزك النبأ بعنف. لم تكن تتوقعه. بالأحرى لم تكن تريد أن تلقي بالا لتوقعاتك المتشائمة. الحقيقة أنها فقط واقعية. واقعية ومأساوية...

منذ أيام وأنت تسمع بأن الضحايا يسقطون تباعا. لم تكن تعبأ كثيرا بالأمر. سمعت أن الضحايا الأوائل أجانب فارتحت قليلا

ثم بدأ إخوتك في السقوط.

الأوائل كانو مسنين ويعانون أمراضا مزمنة شتى. قلت لنفسك لا بأس فمن الطبيعي أن يموت الشخص إن بلغ من العمر عتيا.

بعد ذلك لم تعد تتبع أخبار الضحايا. لا تريد أن ترى صورهم ولا أن تعرف قصصهم ولا أي شيء عنهم. تعلم أنك إن شخصنتهم فستنهال عليك كآبة عارمة لن تنفعهم وستؤذيك. أصبحت تهتم فقط لمدينتك. ضحاياها. أحيائهم. مجالات تنقلهم... الموت الأسود يزحف...

اليوم استيقظت على خبر وفاة طبيبين أصيبا بالعدوى أثناء موازولتهما لعملهما. كان الأمر متوقعا جدا ولكننا لا نريد أن نصدق أن من يزرع الخير سيجني الشر، أن من يهب الحياة ستسلب منه. لا نريد. لا نريد. هذا ليس عدلا. هذا ليس جزاء الأبرار... شاهدت صورة إحدى الضحايا فبدت لك في الحين ملامح طيبوبة أم. تلك الملامح العطوفة الحنونة المحبة الجادة. رأيت فيها والدتك ووالدة كل مغربي. كماما أسية. تذكرها بابتسامتها الدائمة.

ثم شاهدت فيديو لنفس السيدة. سمعت في صوتها الأمل والقتالية ولم تفتأ توصي بالممرضين والإكبار بهم وبمجهوداتهم ومهنيتهم...

لم تحس إلا ودموعك قد وصلت خديك. أغلقت الفيديو. مسحت الدموع وأنت تتمتم بالرحمات على الأرواح الطاهرة.

الموت على الأبواب. لا مجال بعد للهزل.