أمام شجرةٍ بيضاءَ تأكلُ النيرانُ جذعَها وفروعَها العارية من أوراقها،
يقف حشدٌ من الناس سود البشرة كأنَّهم أصنام جامدة، أفواههم مقفلة، تاركين الحديث إلى شرر غضبهم المتطايرِ من عيونهم، يوجهون سيوفَهم صوبَ شابٍ مضرجٍ في دمه، ويتوسد ذراع فتاةٍ تُرثيه بدموعٍ ملأت عينيها.. ظهرت أمامهم هالةٌ ضوئيةٌ، وخرج منها يوسف، نظر إليهم في خوفٍ ألقاه في قلبه ملابسهم السوداء وعيونهم الحمراء، فتساءل في خوفٍ
سكن كلماته وجسده:
– مَن هؤلاء؟ وأين أنا؟!
استدار يوسف إلى ذلك الشاب الجريح، أطال النظر به في دهشةٍ
وحيرةٍ حينما وجد نفسه ينظر إلى ملامحه بوجه شخص آخر..
بصوت يكاد يكون همساً سأل يوسف نفسه في حيرة:
– مَن هذا الذي يحمل ملامحي؟!
تقدم خطوتين حتى وقف أمام شخصٍ تميَّز عن باقي أفراد الحشدِ ببلورة حمراءَ تُزين رقبته، قام يوسف بنزعها، فتهشم حاملها إلى قطعٍ حمراءَ صغيرة، ثم تبعه باقي الحشد، ووسط كومة القطع تلك رأى لوناً قرمزياً يتسلل من باطنها، أزاحها فوجد بلورة قرمزية، سمع صوتا يتردد بداخله يخبره: تناولها؛ ففيها الخلاص.
تناولها يوسف وعلقها برقبته، فكسا اللون الأخضر كومة القطع الصغيرة،
ثم أضاءت الشجرة بلونٍ أبيضَ قوي أطفأ نيرانها.. سمع صوتاً عالياً آتياً من خلفه يحذره:
– احترس يا يوسف.
استدار يوسف سريعاً، لتلمع عيناه بنيران آتيةٍ صوبه، نهض فزعا وسط عرقٍ غزيرٍ بلل فراشه ووسادته، هدأت روعته حينما نظر يمينا ويساراً ووجد نفسه ما زال في غرفته، وما رآه لم يكن سوى مجردِ حلم.. جلس على حافة فراشه واضعا رأسه بين كفيه، انطلق صوتُ هاتفه ليعلن تمام السابعة صباحاً، أغلق صوته ثم نهض ليستعد إلى يومه الدراسي.. وعندما انتهى
من ارتداء ملابسه هبط درجات السلم، وهو ينادي على والديه
دون أن يأتيه ردٌّ من أيٍّ منهما، بحث في جميع غرف المنزل دون أن يجد لهما أثراً، تعجَّبَ من عدم وجودهما في هذا الوقت المبكر..
طرق أذنيه صوتُ ضجيجٍ ينبعث من مكتب والده الذي وجده مفتوحاً
على غير العادة، تغاضى عن تحذير والده المُسبق بعدم دخول مكتبه،
فتح الباب ثم خطا خطواته إلى داخله، ونادي:
– أبي، هل أنتَ هنا؟
لم يجد أحداً بالداخل، تطلع نحو مكتب والده ذي اللون الذهبي،
وإلى تلك الكتب الكثيرة التي تُغطي جدران المكتب من أسفلها
إلى أعلاها في دهشةٍ؛ فلقد كانت تلك هي المرة الأولى التي يدخل فيها إلى مكتب والده..
——————————————–
عودة ديموس
رواية، للكاتب محمود الكومي
من إصدارات اسكرايب للنشر والتوزيع