في نفس اللحظة كان الآخَر مُتجهًا لباب الدخول على موظفي الشباك، حيث اختفى ليظهر مرة أخرى بجانب إحدى الموظفات التي لم تتردد في فتح درج الأموال على مصرعيه.

- اتفضل اتفضل، خد اللي إنت عايزه أنا مش هعمل حاجة والله.

بدأ أحدهما في جمع الأموال الموجودة بالخارج، وكانت كثيرة بحكم أنه آخر يوم في العام وجميع المصانع المجاورة للبنك والتجار الكبار تحرص على إيداع أموالهم هذا اليوم لتظهر في الميزانيات الخاصة بهم، والتي من ثمَّ تساعدهم بعد ذلك في أخذ القروض.

 لاحظ أحدهما أن بوابة الغرفة الخاصة بالخزينة الرئيسية مفتوحة فاتجه إليها، فقد كان مدير الصرَّافين بدأ في تحويل الأموال من الخارج للداخل لكثرتها، ولأن الشركة الخاصة بنقل الأموال إلى فرع البنك الرئيسي بالقاهرة لن تأتي اليوم بسبب سوء الأحوال الجوية، تم جمع الأموال في أربع شنط فكل منهما كان يحمل شنطتين فقط قدر ما سيستطيع من حمله أثناء هروبه، ولأن كل منهما لم يكن في حسبانه جمع الأموال الموجودة بالخزينة الرئيسية، لأنها كانت خارج خطتهما منذ البداية لمَا يتطلب الأمر من ضغط على مدير الخزينة ووقت كبير قد يهدر لفتحها، مما قد يعرض الخطة بمجملها للفشل.

اتجه الاثنان نحو البوابة بعد أن كبَّلا كل مَن في البنك وخرجا بشكل طبيعي، وأغلقا الباب من الخارج حتى لا يستطيع أحد اتباعهما أو رؤية الدراجات النارية الخاصة بالهروب، شاور عمرو لأحمد بأن يتبعه بدراجته النارية، واتجها إلى الحقل الذي بات فيه عمرو وسط الزراعات ليلة أمس ليبيتا فيه حتى اليوم التالي ليتسنى لهما تنفيذ باقي الخطة بالحلاقة وتغيير شنط الأموال والملابس حتى يستطيعان الهرب في اليوم التالي.

تناولا الصديقان من السندوتشات التي تركها عمرو قبل العملية، فهو يعلم أنه سيعود لنفس المكان بعد العملية، لذلك خبأها في مكان سهل الوصول إليه، تناولا الطعام وهما في قمة سعادتهما بعودتهما مرة أخرى إلى بعضهما، فهو أقرب إلى الخيال أن يتقابلا في نفس اليوم المُخطط له منذ الطفولة، كما لا يفصلهما إلا ساعات على تحقيق حلم الثروة، الحلم الذي تمنّوه في الطفولة وكل منهما يسعى إليه الآن لأسباب خاصة به، وبسببه عادا مرة أخرى إلى بعضهما، كل ذلك وكلاهما لا يعرف شيئًا عن حياة الآخَر، ولم يتعجل حتى أحدهما لمعرفة الأحداث، فمهما ظنَّا لم يَتخيَّلا أن ما تحمله عقولهما من أفكار أبعد في المسافة ما بين المشرق والمغرب.

‎تردد أحمد كثيرًا قبل أن يبدأ الكلام، فبعد أن رأى عمرو تحرَّكت مشاعر ما بداخله، فقد تذكَّر أمه برغم كل ما حدث بينهما، وبرغم عدم زيارته ولو مرة في سجنه إلا أن شيئًا ما هتف بداخله ليسأل عمرو عليها :

- قولي أخبار البلد واللي فيها إيه؟

- والله يا أحمد أنا سايبها من زمن، وقطعت كل علاقتي بيها مابقاش ليا حد فيها فمشيت ومعرفش عنها حاجة.

‎انقبض قلب أحمد وقتها على أمه فتسارع في السؤال بتردد:

‎-مبقالكش حد؟! أمال أبوك وأمي راحوا فين؟!

‎فبدأ عمرو يحكي له ما جرى بعد خروجه من المستشفى، وكيف أنهما أخفيا عليه ما حدث في قصة سجنه بادعائهما أنه قد مات، فقد حضر عزائه بنفسه ولذلك لم يزره أو يبحث عنه، ومن بعدها زواج والده بوالدة أحمد ما كان علامة استفهام بالنسبة له إلى أن عرف الحقيقة بعد موت والده، وأكمل سردًا حتى توقف بعد موت أبيه وخسارته لكل أمواله وتركه القرية بأكملها، توقف عمرو بعدها وسأل أحمد باستغرابٍ:

‎- مش عاوز تعرف الحقيقة وليه أمك وافقت على موضوع موتك وسجنك؟!

‎- عاوز تقولي إنها باعتني عشان الفلوس، ولا عاوز تقولي إنها باعتني عشان تنام مع أبوك، عادي مش فارقة كتير أنا كدا كدا نسيتها أنا بس سألت فضول.

‎- لا يا أحمد أمك ماعملتش كدا؟

‎- ولا عملت مش فارقة.

‎- لا فارق إنك تعرف إنه للأسف أنا اللي أبويا كان من شياطين الإنس، أنا اللي أبويا صور أمك في وضع مش كويس وهي شغالة عندنا في مرة وهددها بالفضيحة، وإنك تعيش في العار، أنا اللي أبويا ساوم أمك على جوازها وإنها تنقذ شرفك وشرفها مقابل سجنك، أمك ست كويسة يا أحمد، ممكن تكون حسبتها غلط، بس شيل من دماغك كل اللي إنت فاكره دا، واستهدى بالله وتعالى نقوم نصلي العصر قبل ما المغرب يوجب.