"كيف كان الرجل السعيد؟ كان يرسم لوحة، يُغنّي أغنية، يلعب في التراب، يرقص، يُشاهد الطيور، يتمعّن في النجوم، يجمع طابعًا نادرًا، يلعب الغولف، يبني كوخًا، يطبخ ويقرأ الكتب الجيّدة، يُشاهد المسرحيات ويتعلّم النجارة، يرتّب الحديقة، يُعلّب الخوخ، يستكشف الكهوف ويجول في الصحاري، يذهب إلى ريو وإيران، يزور أصدقاءه ويعلّم ابنه ويلعب مع حفيده; يُعلّم الصغار الرماية وقول الحقيقة، يقرأ القرآن، ويتعلّم من كونفوشيوس، ويطبّق تعاليم المسيح .... " -جي بي ناش فلسفة الاستجمام والراحة.

تختلف طريقة قضائنا لأوقات الراحة، ولكلّ منّا اهتمامات وأولويات، لكن هناك دائمًا بعض الأساسيات التي يجب مُراعتها لنخرج من وقت الاستراحة وقد حقّقنا الهدف الرئيسي منها وهو إعادة شحن الروح والعودة للعمل من جديد.

يوفِّر جي بي ناش، والذي تحدّثنا عن أفكاره في المساهمة السابقة(1) طريقة لمُراعاة هذه الأساسيات، ويُعطي المعيار الذي يجعلك تُحدّد في كلّ مرة مدى فاعلية طريقة قضائك لوقت الراحة، ويُسمِّي ناش هذا المعيار بالهرم.

تستلقي على قاعدة هرم ناش أكثر الأنشطة السلبية للمجتمع، وكلّما تسلّقت قمّة هذا الهرم، تتحوّل النشاطات إلى نشاطات إيجابية، تُغذّي الروح وتحقّق السعادة.

ترتيب هذا الهرم من الأسفل إلى الأعلى:

نشاطات الفُرجة

يُمكن أن تنطوي تحت هذه النشاطات القراءة، الاستماع والمشاهدة للتلفاز. ورغم أنَّ هذه النشاطات بحدّ ذاتها قد لا تكون سلبية، لكنّها إن فشلت في تحريك فكر المُتلقِّي أو عاطفته ستميل نحو السلبية.

نشاطات الفرجة لن تُغيّرك كثيرًا، ستأتي نهاية الأسبوع وتنتهي من دون أن تتغيّر. هذه النشاطات تعتمد على اشراك حاسة واحدة فقط، كما لو أنّك تُريد تسجيل الخروج من الحياة، مثل استماع بلا معنى لنفس مقطع الموسيقى، قراءة في الأخبار والتغريدات، مشاهدة فيديوات على تيك توك وانستغرام، وإلى ما يشبه ذلك.

لا ننوي أن نتخلَّص من هذه النشاطات دائمًا، لكن يجب أن نُعاملها كالوجبات السريعة، مسموحة كلّ فترة، لكن لا يجب الاعتماد عليها كغذاء كامل.

المشاركة العاطفية

هذا المستوى في هرم ناش يتضمّن نفس النشاطات التي كانت في النوع المتفرِّج، قراءة واستماع وفُرجة، لكنّك هنا تشعر كما لو أنّك جزء مما يحدث.

ينطبق على ذلك قراءة كتاب جيد، مشاهدة فيلم ذا معنى، أو متابعة برنامج يحفّز الفكر، محادثة مع صديق، أو حتّى متابعة بعض النشاطات الرياضية، التي تدفعك لتحرّك أفكارك وعواطفك، وتوسّع منظورك ورؤيتك للحياة.

أتذكّر أنّي قضيتُ زمنًا من عمري أتابع مباريات التنس، وبعد المباراة نُجري نقاشات حول الاستراتيجيات التي طبّقها كلّ لاعب، وطريقة سير المباراة، هذا ينطبق بالضبط على المستوى الثاني من هرم ناش، ليس ما نطمح له، لكنّه أهون من الفُرجة السلبية.

لنصف النشاط بأنّه جيد، يجب أن نعرف إذا ما كان يفتح آفاقًا لنشاطات جديدة. هل يجعل صاحبه منفتحًا على عوالم واهتمامات جديدة؟ -جي بي ناش

معيار النشاط الجيّد في هذا المستوى كما يعبّر ناش هو أنّها تُحرّكك لفعل شيء جديد، لتعلّم تجربة حديثة، للقيام بعمل. للنشاطات في هذا المستوى طاقة مُحفّزة لبناء نشاطات أخرى عليها.

المشاركة الفاعلة

يستمرّ تسلّق الهرم، وهنا يتحوّل الفرد من مُشاهد إلى مُشارك. وبعد أن كان يُشجِّع من المدرجات، دخل الملعب ولعب بنفسه. بعد أن كان يُشارك بعينه وأذنه، أصبح يُشارك بكلّه!

الفكرة من هذا المستوى، هو أنَّ الفرد يقوم بالأنشطة وفق أنظمة وقواعد وقوانين وضعها أناس آخرين، كأن يُمثّل في مسرحية، يطبخ حسب وصفة، يلعب كرة القدم أو أي رياضة أخرى.

فائدة هذا المستوى عن الذي قبله، هو أنّ الحَركة للقيام بنشاط جديد مضمونة في هذا المستوى، في المستوى الماضي كانت المشاركة العاطفية غير مضمونة، قد يُعجبك تحليل مباراة التنس في يوم وقد لا تشعر بذلك في يوم ما، لكنّك في هذا المستوى مجبور على الاندفاع إلى النشاط التالي، فقواعد اللعبة تحكمك.

المشاركة الابداعية

يتحوّل الشخص في هذا المستوى من القيام بالنشاطات حسب قواعد وقوانين الآخرين، ليُنشئ قانونه الخاص، وهنا يصل إلى قمّة هرم ناش، وقمّة السعادة والرضا.

حتّى لو كان ما يُنتج بدائيًا، حتّى لو لم يعرض عمله على ناس كثيرين، أو رتَّب أشياء موجودة أصلًا بطريقة جديدة، لكنّ العمل يندرج ضمن الابداع، ويكون ناتج ما يفعل أن ابتكر شيئًا جديدًا لم يكن موجودًا في الكون من قبل.

مؤلِّف وشاعر، فنّان ومسرحي، مصوّر وطبّاخ، صانع أفلام ومنظّم أحداث اجتماعية، أو حتّى كاتب على حسوب I/O!

المستويات العلوية

ينصح ناش الناس بقضاء الوقت في الأنشطة التي تندرج ضمن المستويات الثلاثة العلوية، وكلّما تسلّقت مستوى أعلى كان أحسن. بهذه الطريقة يُمكن أن تُجابه الضغط المستمر الذي تفرضه عليك ظروف العمل غير المحفّز.

خصوصًا وأنّ معدّلات ساعات العمل قلّت عن قبل 150 سنة، وزاد على حسابها أوقات الفراغ والاستجمام، وبالتالي تزداد أهميّتها وأهميّة استغلالها بالطريقة الصحيحة، التي تعود على صاحبها برضا وسعادة.

أنصح جدًا بقراءة الجزء الأول من المساهمة لما فيها من التمهيد الضروري لفهم هرم ناش وأهميّته.