رائد أدب الرحلات الكاتب المصري الراحل حسين قدري له كتاب رائع اسمه( مذكرات شاب مصري يغسل الاطباق في لندن ) 

والحقيقة أن هذا الكتاب يناقش أحد أخطر القضايا التي يجب العمل على معالجتها لدى كل أجيالنا العربية القادمة.

الكاتب يروي لنا هنا قصة شيقة عن أحد الشباب الذي لم يستسغ العمل في وطنه بمؤهل غير مؤهلة الجامعي، بعد أن عانى الامرين حتى استطاع الحصول على هذا المؤهل، ومن ثم فقد بهرته أنوار أوروبا اللامعة وأضوائها الباهرة وقصصها الأسطورية، في تحويل كل من يهاجر إليها من متسول لا يجد قوت يومه إلى مليونير فاحش الثراء واسع العطاء، فقرر أن يلقي بكل شيء خلف ظهره وهجر كل ذكرى طيبة لديه نحو وطنه، والالتحاق بمركب الأحلام التي سوف تبحر إلى أرض العجائب ...إلى أوروبا .

وقد شاء حظ هذا الشاب العاثر أن يلقى به في أرض وعرة تكسرت عليها كل أماله، وتبخرت عليها كافة أحلامه وهي بلاد الإنجليز البعيدة ذات التقاليد العتيدة ، والتي مهما حاولت تغيير عقلية مواطنيها عبر العصور فلن تستطيع أن تمحو من ذاكرتهم كوننا كنا أجزاء من مستعمرتهم التي لا تغرب عنها الشمس، وبالتالي فمعروف القيمة التي يمثلها اي مصري وربما أي عربي لديهم بشكل عام، وبالتالي أدرك الآن فقط وبعد فوات الأوان ان حلمه كان وهما كبيرا، وأنه سوف يضطر ليس فقط أن يعمل بمؤهل غير مؤهله وإنما يعمل ماسحا ومنظفا لأطباق الطعام في مطبخ أحد الفنادق فقط من أجل أن يجد قوت يومه.

ولأن التجربة لم تكن فردية وتخص فقط ذلك الشخص الذي تحكي عنه الرواية، ولإننا سبق وأن سمعنا مرارا بهذه القصة في كافة أنحاء وطننا العربي وان اختلفت النهايات رغم تشابه البدايات وكان بعض هذه النهايات مأساويا بكل أسف ويتراوح بين الغرق في غياب البحار أثناء الهرب إلى سواحل القارة العجوز، وبين العودة للوطن كجثث هامدة داخل توابيت قاسية، ولذلك فقد بات من المهم جدا معرفة اسباب قبول الشباب العربي للعمل بمهن دونية، خارج بلادهم ورفضهم لنفس هذه الأعمال داخل اوطانهم وبين اظهر أهلهم وذويهم.

والحقيقة أن مشكلة البطالة في بعض بلادنا العربية رغم أنها تظل عبر العصور مشكلة بلا حل حقيقي، يعمل هل الموازنة بين العرض والطلب او اذا شئنا الدقة بين فرص العمل وقوة العمل، فإن هذا لا يمثل مربط الفرس في هذا النمط الاجتماعي الذي نتحدث عنه في هذا المقام، وإنما السؤال الحقيقي الذي يشغلني في الحقيقة هو لماذا يقبل الشباب بهذه النوعية من الأعمال خارج وطنه ولا يقبل بها داخل الوطن؟ لماذا يقبل تنظيف أطباق بل وشوارع الغرب ويأنف من تنظيف شوارع بلده؟