مضت بي لايام و الدنيا تحاول جاهدة ان تنسيتي كونها و كينونتها المخادعة .....

و لقد تمكنت بالفعل ان تأنسني فيها و اخطأت مجددا اغدقت علي بالمشاعر الجياشة و بالأحباب ام و اب حنونان و اخت تكبرنب بثلاث سنوات ترعاني كام رغم تقارب اعمارنا

كنت قد اصبحت مدللة بذلك الوقت و امارس سلطتي بجور تحت شعار"ما يخصني هو لي و ما يخصكم هو لي"....

كونت صداقات عجيبة مع ابي و زوج خالتي الأصغر....

كان ابي صديقا خفيف الظل حسن المعشر سند و كهف حصين اهرب اليه من الصغير قبل الكبير .....فكنت معه اين ماكان كطيف او ظل اسموه ما شئتم ....الاحقه برضا منه كل يوم دون كلل او ملل فاعتاد ابي على الوضع و كذلك اعتدت انا روتين وجودي كان بالفعل طبق فصباحا نعيش معا سواءا في البيت او عمله او بالملعب او المقاهي لا يهم المكان المهم وجودي اين ماكان و في المساء يتحول ابي الى آلة متعددة الخدمات فيصبح ظهره مرقدي الذي عليه أنام و صوته قصتي التي تحكي تفاصيل قصة لا يعرف وقائعها و ابطالها الا انا و ابي.....ولا انام الى وهو يهزني كمهد فوق ظهره....

في كثير من الأعياد و المناسبات حتى في الاجازات الأسبوعية كنا نذهب مع امي عند جدتي لان عائلتها لا تزورنا كثيرا في بيتنا اثر عهد وقع خفية اربما لم اكن قد حظرت بعد.... لم اكن اعرف عنه شيئا آن ذاك.....

وبذلك اكون قد ابتعدت عن ابي لكنني ابقى مع خالتي و زوجها اللذان كانا خاصيتان جميلتان امتلكهما خلال حياة الدنيا كل شيء احب يأتوني به و اذا خرجا للتفسح اكون انا المرافق لا غير لا يحق لهم اصطحاب غيري من ابناء الخالات او الأطفال...لانني كذلك اردت

مرت الأعوام على نفس المنوال وانا اغرق كل يوم في الدنيا و بما تذره علي ....

حتى وصلت الى عمر العاشرة....

خلال تلك الفترة كانت الدنيا تراقب جوانب ضعفي بشدة و تحسب الخطط بدقة عالية ....تحس بنشوة النصر كيف كنت ابكي عند الحضور و كيف ستبكيني عند الذهاب.....

لم يحدث شيء قبل العاشرو سوى موت جدي والد امي عندما كنت بالثالثة و بعده خالي عندما كنت بالسادسة و اخيرا جدي والد ابي بعد اشهر اتممت من خلالها السابعة....جدي لم اكن كثيرة العلاقة به...... جدا رسمية تحيتي له كل صباح و مساء حين العودة من المدرسة او عند الذهاب كنت اكره القاء التحية عليه بشكل متكرر و لازلت الى الآن لا افهم لماذا وجب علي القاء التحية عند رؤيته و لو كان لقائي به في اليوم الف مرة وجب اتمام السلام الى الألف.....

يوم موته كنا في عطلة نمضيها عند جدتي كالعادة وخبر دخوله المشفى كان عجيب ذهبت امي سريعا لتكون بجانب ابي وبعدها رحل جميع الكبار ليعزوه في الفقيد ....تركت لمدة يوم انتظر لأذهب و ارى ماذا حل بصديقي العزيز ....

و في الصباح الباكر اخدوني الى المنزل كان البيت الكبير يكتظ بناس جميعهم من عائلة جدي ولم اكن اعرف احدا منهم دخلت و كل همي اين ابي و كيف حاله...... لو انا كنت مكانه ومات ابي كنت على يقين انني سأبقى على عهدي و الحقه الى عالم البرزخ...

مازلت اذكر المشهد رغم مرور احداعشر عام عليه...

كان ابي يجلس وسط الحديقة الكبيرة على تلك الطاولة الصخرية الضخمة المتربعة بجبروت .....كان يجلس بانحناء على غير عادته كان يبدو ضعيفا و عيناه محمرة تظهر بصورة تكسر القلب مع بشرته السمراء قليلا..... يحمل بيده سيجارة تحترق في يده و هو غائص في افكاره....ورياح طفيفة تبعثر شعره الغير المنظم... كنت في السابعة فقط لكنني احسست برغبة في مساعدته تقدمت نحوه ببطئ شديد على عادتي لا احدث اي ضجيج عند المشي حتى اصبحت امامه منظر عينيه افقدني اي قوة قد استجمعتها وبفجع بكيت هناك ....اخدني ابي عنده بسرعة و لا زلت اتذكر كلماته...."لا تبكي ....لا تبكي لانني سأبدء بالبكاء ايضا"

و بجهد توقفت لالا يبكي هو ايضا....

تماشت الاحداث بعدها سريعا عدنا لحياتنا و لكن هذه المرة بشخص اضافي فجدتي لم تكن تريد ان تنام وحدها في ذلك المنزل ارادت ابي و عمي معها نفذا امرها لمدة يومين و سريعا ما هرب عمي من هذا الوضع و علق ابي فيه ........و للتجديد اقترح ابي عليها هي ان تصعد الينا و مجددا بدل نزولهما ومضى الروتين لاسبوع مرة تبيت عندنا و مرة عند عمي و مجددا اصبح مبيتها عندنا يوميا .....صرنا كذلك لمدة شهور

حتى في يوم تشاجرت امي مع جدتي صباحا ونحن نيام كانت تصرج جدتي في حين بقت امي هادئة كما دوما لكن ابي و موقفه جعلها تشعر بالغضب وفي ذلك اليوم جائتها نوبة غضب لم اشاهد امي تبكي من قبل و لا تصرخ و لا غاضبة لكنني رأيتها ذلك اليوم في اسوإ حالاتها .....

مضت ساعات وتأزم الموقف واصبح بيتنا مكتظ بعد ان اتصل ابي بجميع اهل امي دون تردد....

لم اكن اعي ما الخطب و لما كل الغضب ...واذني فقط من ازصتت و حفظت على مضض و ظهر قلب كل ما قاله ابي بصراخ..

"انا مع امي ظالمة او مظلومة"(هناك انا ايضا قررت: انا مع امي كذلك ظالمة او مظلومة)

"انت لست من دمي لكن امي كل دمي"(وجه قوله لامي في حين انا احترت بسؤالي ماذا تقصد اين انا اذا من دمك؟)

ثم وجهه كلامه الي بعد ان ناداني انا و اختي واخواي التوأم اليه"البسوا ثيابكم ستذهبون عند جدتكم"يقصد ام امي....

لم يدافع في ذلك اليوم احد عن امي بالرغم من وجود خالي....... في حين صرخ ابي و ضرب صدره من اجل امه ....

واصبحا في حصار لمدة اربعة اشهر و امي منبوذة في بيتنا..... يبقى ابي عند جدتي اسفل و نحن فوق مع امي

... لا اذكر لماذا لكنني انا و اختي اصبحنا نقوم بمهام متخفية لادخال قفف الطعام من عند افراد العائلة...لماذا لم يكن يجب ان يرى ابي ذلك؟؟

وفي يوم امتحاني الوطني الأول جائني ابي وبعد ان اجلسني انا و اختي عند عتبة المنزل يتكلم كثيرا و انا لا اعي ماذا يقول كل ما فهمته انه ينوي الطلاق وكان يفرض علينا واقع العيش مع امي ....وكيف انه لا يملك بيده حيلة تهز اختي رأسها بتفهم في حين انا كنت منكرة الفكرة من الأساس سبقت و ان كلمتني اني في ذلك و لم تقنعني...

ذهبت و امتحنت بعدها بيوم و انا اعلم انني اليوم سوف اهجر سوف انفى .....لا ديمقراطية و لا سماع رأي رافقني ابي طوال النهار وفي المساء كنت بد انتهيت من الامتحان....عدنا الى البيت و كل اهل امي هناك يساعظون في شحن حافلة النفي الى منزل الجدة كانت والدة امي تبدوا غير راضية بالحل لكنها لم تعقب .....

وسرنا الى منزلها كالمرتكب لجنح او جرم لكنه لم يكن كذلك بل كان مجرد شجار يحدث كل يوم بين الزوجة و ام الأب و حين وجدت تلك الجدة ابنها يقف في صفها في حين لا سند لامي حققت مرادها....

وهذه كانت رحلة السبي احب ان اسميها نكسة الثلاث شهور....

)هذه بداية للمشاكل(

يتبع

سلام