انتهينا هذا الشهر من كتاب المغالطات المنطقية، ما هي أكثر مغالطة منطقية جذبت انتباهك ولماذا؟

شخصياً لفتتني بعض المغالطات التي لها أسماء مختلفة مثل مغالطة الرنجة الحمراء وسرير بروكرست، غالباً هذه المغالطات لا تُفهم من أول وهلة على عكس مثلاً المغالطات التي تُعطيكِ لمحة من اسمها مثل مغالطة تجاهل المطلوب أو السؤال المشحون.

لذا سأتحدث حسب إنطباعي هذا عن واحدة من الجانب الأول لأنها ممتعة في فهمها وفهم سبب تسميتها وواحدة من الجانب الثاني لأنها أيضاً مهمة في عرض القضايا التي تعبر عنها بشكل مباشر.

أولاً مغالطة الرنجة الحمراء والقصة وراء هذه المغالطة شيقة حقاً، وهي أنه قديماً كان المجرمون يستخدمون هذه الحيلة أثناء فرارهم من كلاب المطاردة فيلقون سمكة الرنجة الحمراء وهي ذات رائحة قوية تشتت هذه الكلاب، والأمر يسقط بالطريقة نفسها على شخص يُلقي موضوع جاذب لتحويل الانتباه عن الموضوع الأساسي الذي يتم نقاشه فيتشتت الحوار ولا يعود للموضوع الأصلي قيمة، مثل أن يقول أحدهم

سنتحدث في درس اليوم عن خطورة تضيع الوقت في حياتنا، كاستخدام الهاتف والألعاب الإلكترونية والموسيقى، إلا أن الموسيقى جميلة حين نستمع لها وتجعل الشخص يشعر بالتوازن والهدوء وكذلك تزيد الحس الفني لديه..إلخ.

هذه مغالطة الرنجة الحمراء حيث الحديث هنا عن خطورة تضيع الوقت وليس عن فوائد السماع إلى الموسيقى.

ثانياً مغالطة السؤال المشحون أدخل للمثال هنا مباشرةً لأنه لا بدّ أن لدينا فكرة عن ماهيّة الأسئلة المشحونة، فمثلاً سألكِ شخص

هل تريد تعلم الموسيقى وتضييع وقتك؟

هل توقفت عن ضرب زوجتك؟

في مثل هذه الأسئلة يعمد الطرف دس افتراضات مسبقة قد لا تكون صحيحة عنك ويجعلك تعترف بأمور ضمنية أنت لم توم بها، فمثلاً إن كان جوابنا في السؤال الأول نعم أو لا فأنت تعترف بأن الموسيقى تضيع وقتنا بكلا الحالتين، كذلك الأمر بالنسبة للسؤال الثاني فقد اعترفت بقيامك بالضرب كفعل، ويكون هدف الطرف الآخر هو اتهامك أنك تفعل شيء دون برهان حقيقي فيريد ارباك حضورك أو اضعاف موقفك بالحوار.

في النهاية أود إضافة أمر، إذ أن الجميل في الأمر حقاً وفي الكتاب ليس قراءته وحسب بل تطبيق هذه المغالطات واقعياً حين تحدث من حولك، تجد نفسك تقوم بتحليل الأمر بشكل يساعدك أكثر على الفهم واتخاذ القرارات.

الحجة الشخصية ،

سأكون صادقا لم تسنح لى الفرصة لقراءة الكتاب قبل أن أتناقش معك حول هذا الأمر ، ولكن يطيب لي النقاش حول هذه النقطة تحديدا .

لماذا عندما نتحدث مع شخص حول أمر ما يتحول الأمر من الدفاع عن الفكرة للدفاع عن الذات ؟!

ربما من وجهة نظري الأمر يعود لأسباب عدة

أولها أنه عند حدوث ذلك ، غالبا أنت لا ترى أصلا من يناقشك - كما هو الحال في وسائل التواصل الإجتماعي - وفي الوقت نفسه هو يعارض فكرتك على الملأ ، فتشعر أنه يهاجمك لشخصك ، مع أنه في الحقيقة ربما لا يدرك أصلا من تكون هو فقط أراد أن يناقش فكرة أثارت إنتباهه !!

ثانيا أننا لا نضح حدا فاصلا بين ذاتنا وبين أفكارنا !!

فذاتنا ثابتة معنا ولا يحق لمخلوق أن يمسها أو يتعدى عليها كائنا من كان ..

أما أفكارنا فهي ديناميكية متغيرة ، تارة نعتقد بشئ وتارة على النقيض .. !!

علينا أن نتقبل فكرة أن أفكارنا ليست جزءا من ذاتنا وأن أي فكرة تظل مطروحة للنقاش والمعارضة طالما أن من يناقشنا ملتزما بالمعايير والأخلاق العامة ..

هل تعرضت لهذه النوعية من النقاشات من قبل ؟

المقال مفيد بحق ، واشد ما أثار انتباهي واسفي في نفس الوقت هو مغالطة : سرير بروكرست (البروكرستية)

والانتباه مرجعه الغرابة أما الأسف فلأنه في اعتقادي أنه مرض ولابد له من علاج ، ودعيني اذكركم بسبب التسمية كما جاءت في الكتاب:

حيث كان بروكروست وهو مجرم يوناني في الأزمنة الغابرة ، وكان يستضيف ضحاياه ويكرم وفادتهم ثم يدعوهم إلى المبيت على سريره الحديدي العجيب الذي كان يضبط مقاس النائم عليه إلى مقاس السرير نفسه ، فمن كان قصير يشد رجليه ومن كان طويل يقطع أطرافه ، وبتطبيق هذا السلوك الإجرامي على الحديث نجده يفسر نزعة فرض الأراء الخاصة والأحكام المسبقة على الأشياء أو الأشخاص، أو الأراء ... أو بمعنى آخر ليِّ عنق الحقيقة وتشويه الحديث والكذب والتلفيق لكي يتماشى مع ما في نفوسنا من إعوجاج وهوى مسبق.

ومع الاسف أجد الكثيرين يقعون في هذه المغالطة ، وأسال الله أن لا نكون منهم ، والتي منها ( التلكيك) ، يحدث في احيان كثيرة ان نتصرف بنفس الطريقة : فنخاصم فلانة لأنها لم تقل أو نرفض فلان لأنه لم يفعل .

ونكرر مرة أخرى على ضرورة الوعي تجاه أهمية الاختلاف وضرورة أن لا يفسد للود قضية .