دخلت غرفته القديمة بهدوء، وأنا أتذكر كيف كانت تبدو . إنها هونج كونغ البيت، الصاخبة بأفكاره الطائشة و أرضيتها المزخرفة بمئات الأوراق كأنها مستودع للبرقيات و الرسائل. لكن الآن أخذ منها الصمت حيزا كبيرا تحت تأثير الظلام المخيف، حتى الأشباح قد تكون يئست من العيش بداخلها. مرتبة نظيفة تفوح منها رائحة الخشب، إنها رائحة المكتب الذي بناه بنفسه لنفسه و تحته صناديق بها كتب و أشياء من كل الأشياء. على الجانب الآخر حصير بالي، حصير سحري كان بمجرد أن يستلقي عليه حتى تذهب به مخيلته إلى أماكن بعيدة. الجدران تملأها بعض الشقوق، هذه الشقوق التي كلما كان يدقق فيها يشكل منها جسما لحيوان ما أو أشكال أخرى غريبة. و بالزوايا توجد ثقوب يتخذ منها النمل ملجأ له.

على غفلة مني ظهر من حيث لا أدري و هو ينظر إلي بنظرة مرعبة محيرة. نظرة تجمع بين الخوف و الغضب بين الحب و الكره، بين الخير و الشر. لا أعرف ما الذي يريده، لم يحدثني بشيء بل فقط جلس في الركن و ظل يبكى و يتمتم بكلمات لم أستوعب منها سوى العبارة الأخيرة " لقد..خن...تنيي...". حينها أدركت ما الذي يلمح له. لقد جعلني أشعر بالذنب و الخزي، لم أستطع تحمل البقاء في تلك الغرفة. أحنيت رأسي و خاطبته في كينونتي " آسف لأنني خنتك...آسف لأنني جعلتك تتخلى عن حلمك من أجل حلم آخر سنساعد به البشرية، حلم قد يكون لنا سببا بأن نسعد في ديار غير هاته...آسف يا صغيري". فجأة إختفى كالدخان، خرجت و أغلقت باب الغرفة تاركا شوارعها الراقية و أحياءها الشعبية متحصرة لربيع الماضي.

روايتي الجديدة بعنوان " لست أنا ".