بدأنا العمل باكرا كالعادة, جلست في مقعدي مستعدة للبدأ في سحب عينات دم من المرضى, لإجراء التحاليل اللازمة عليها, جرى كل شئ على ما يرام الى حين جلوس كهل أمامي, لم أعتد النظر الى الضحية قبل امتصاص دمها, لكن راودني شعور سيئ حالما ولج هذا الرجل من الباب, لم ابدي اهتمامي في بادئ الامر, لكن احساسي زاد سوءا عند جلوسه أمامي, رفعت رأسي اليه لأكسر خوفي الذي تسرب الي على غير العادة, لأرى وجها تملؤه علامات وشم صغيرة لكنها مرئية, تبدو وكأنها رموز, وعينان وصفتهما بالشريرتان لشدة حدتهما, ما شدني أكثر هو أن كل عين اتخذت لونا مغايرا للأخرى كأنهما اتفقتا على أن ترتدي كل واحدة منهما لونا يناسب شخصيتها, طلبت منه في هدوء يغطي زوبعة من التساؤلات والخوف في نفس الوقت, أن يكشف عن ذراعه لأتمكن من سحب الدم منه, تكلم مازحا بلهجة سخرية قائلا بأن دمه ليس كدم البشر, وأنه غير عادي.

تجاهلت كلامه على أساس أنه لاحظ ارتباكي من مظهره, لكن هذا الارتباك كاد يفضح خوفي لما رأيت ما وشم على ذراعه وعلى طول عرقه الدموي, كتابة تمتد من مرفقه الى معصم ذراعه, عجيب, ليس هذا بالأمر المألوف في مجتمعنا المتحضر ظاهريا, والمتدين الى حد ما.

لما أكملت مهمتي تنفست الصعداء لأنه وأخيرا غادر حرمي, وعاد الي الاطمئنان.

قامت زميلتي بوضع الأنابيب في جهاز الطرد المركزي, لكن عند اخراج الأنابيب من الجهاز, تفاجئنا بتحجر وجماد دم الغريب رغم احتواء الأنبوب على مضاد التخثر (EDTA).

اقترحت بأن نضع الأنبوب في حمام مائي بدرجة حرارة 37°, ثم نعيد تدويره, وكان الأمر كذلك, أعدنا تدويره للمرة الثانية لكن هذه المرة بمدة أطول وبسرعة تدوير أعلى من الأولى, لم يكن هناك داع لكن تعاملنا مع الأمر بشئ من الخصوصية والحذر على أساس أنها حالة نادرة وشاذة.

أكملنا كل التحاليل, ووضعنا النتائج اللازمة لكل مريض, عدى دم الغريب الذي لايزال دمه يرقص التانغو مع الة الطرد المركزي.

حان موقت خروجنا للراحة والغذاء, وتطوعت أنا لأكمل ماكانت زميلتي تحاول القيام به حيال ذلك الدم الغريب, أوقفت الجهاز لأريح رأسي من الصداع الذي سببه لي صوته المزعج, وضعت يدي في جيب قميصي لأتفقد هاتفي الذي وضعته في وضع صامت, اذ وجدت ورقة مطوية أخرجتها وأنا مبتسمة ظنا مني أنني حظيت ببطاقة شحن رصيد من والدي, لكن سرعان مااكتشفت أن ظني لم يكن في محله, فالورقة رسالة مكتوب عليها: * دمي هدية مني اليك *.