تعلمنا في المشاريع الهندسية مصطلحات كثيرة، لكن هناك بعض المسميات المهنية تترك تساؤل وبحث وفضول معرفي لإسقاطها أو توظيفها في الحياة العامة، في حاجة اسمها تقرير عدم المطابقة (NCR) يسجل ضد مقاول التنفيذ في حال عمل أو نفذ بند وخرج عن المواصفات المتفق عليها، حيث تُسجل وتُحل، ويُمنع تكرارها.

لو أسقطنا هذا المفهوم على العلاقات العامة سنجد أنها أداة دقيقة لإدارة التواصل البشري أيضًا،لو نحاكي تلك المصطلح أعلاه ومدى تطبيقها وتأثيرها على الواقع الحياتي، رُبما نقيس عليها بناء العلاقات والتواصل كإعتبارها معارف عملية قد تترك أثر إيجابي وتهذيب سلوكي على الفرد، في لغة العلاقات الخطأ يحدث، لكن الخطورة تكمن في تجاهله، فكل مرة تُترك فيها "عدم المطابقة" دون مُعالجة حتى تتراكم وتتحول إلى ضعف في الثقة، وإنخفاض في الروح المعنوية، وربما إنهيار للعلاقة أو بيئة العمل بأكملها.

نسقط ذلك في بيئة العمل أو حتى في العلاقات الإجتماعية، لا تختلف الأمور كثيرًا عن المشاريع المنظمة، كما أن المشاريع تخضع لمعايير وجودة محددة، فإن التعامل الإنساني أيضًا له مواصفات أخلاقية ومهنية يجب الإلتزام بها، وعندما يخل أحد الأطراف بهذه المعايير، يُمكن القول مجازًا إننا أمام "حالة عدم مطابقة" وهي تستحق تقرير NCR إنساني Non-Conformance Report.

فكر في زميل في العمل يتأخر بإستمرار عن الإجتماعات، أو مدير يتخذ قرارات متسرعة دون الرجوع إلى فريقه، أو صديق يعد ولا يفي، هذه المواقف جميعها أعمال لا تتطابق مع المواصفات المتوقعة من العلاقة المهنية أو الإجتماعية.

في المقابل الشخص الواعي يُسجل تقريره الذاتي بهدوء، يصف المشكلة بموضوعية دون إتهام أو إنفعال، ثم يبحث عن السبب الجذري:

  • هل هو سوء تواصل؟
  • غياب وضوح؟
  • ضغوط نفسية؟

هُنا من يتأثر بمعرفته وثقافته العامة والعملية سوف يقترح إجراءً تصحيحيًا، أي حوار مباشر، وإعادة توزيع المسؤوليات، أو وضع آلية تواصل أوضح، ثم يتخذ إجراءً وقائيًا ، على أساس التعلم من التجربة ووضع حدود واضحة للمستقبل.

دائمًا على ثقة أرى أن الإحتراف في العلاقات لا يعني غياب الأخطاء، بل القدرة على إكتشافها ومعالجتها بوعي وعدل وإحترام تمامًا كما يفعل المهندس حين يواجه خللًا في التنفيذ، لكنه لا ينفعل ويخرج عن أدب المهنة، بل يكتب تقريره، ويبدأ التصحيح، وبهذه الطريقة يتحول مفهوم الـ NCR من ورقة إدارية جامدة إلى أداة وعي إجتماعي، تُذكرنا أن كل علاقة ناجحة تحتاج إلى مراجعة ومتابعة وتصحيح، فالعلاقات هي كالمشاريع، لا تفشل فجأة، بل تتآكل تدريجيًا حين نتجاهل إشارات عدم المطابقة الصغيرة التي تظهر في السلوك أو التواصل أو الإحترام المتبادل.

أخيرًا المرء الذي يسقط مهنيته على حياته، يعيش بإنضباطٍ وإتزان، لأنه يرى في كل موقف مشروعًا يحتاج تخطيطًا، وفي كل علاقة يحتاح إتفاقًا والتزامًا لتنفيذه، وفي كل خطأ تقرير عدم مطابق يحتاج تصحيحًا.