ان ادراكنا مُحطم .. الواقع ليس كما يبدو على الاطلاق . بل امضي الى ابعد من هذا فاقول ان حقيقة الواقع غير معروفة حتى الان ولن تُعرف.
هذا لان كلا منا يملك واقع خاص .. ان مسمى واقع يا سادة مسمى خاطئ. فانا لا نتأثر بالواقع .. وفي حقيقة الامر ان هذا الواقع لا يقع علينا .. بل هو من يقع تحت تأثيرنا.
ان كل فردا منا يتكون واقعه تبعا لتكوينه هو في حد ذاته .. تفسيرنا ورؤيتنا للعالم او مايسمى (الواقع) تخضع لقوانيننا الشخصية وانحيازاتنا النفسية .. نحن نرى مانريد رؤيته .. و نفسر ونستنتج ما يحقق ظنوننا ويؤكدها.
وهذه الظنون والرؤى تنبع من تكويننا النفسي .. و ثقافتنا ووعينا. اذا ففكرة الواقع فكرة مختلفة عن ما الفناها .. ما من واقع ثابت وحيد .. بل هناك اكثر من واقع .. ان لكلٍ منا واقع هو اشبه بالدائرة .. هذه الدائرة هي عالم الشخص .. او يمكن ان نطلق عليها أُفق الشخص .. ما بداخل هذه الدائرة هو تفسيراته للاحداث و استنتاجاته و ظنونه وميوله و استيعابه للكون و والاشخاص والافكار والدين والدنيا.
وبالتالي فان اي ايقاع يُعزف على وتر قياساته غير مناسبه لهذه الدائره الشخصية فانه يعطي لصاحب هذه الدائرة لحن غير مفهوم او مشوش غير واضح. ومن ثم يبدأ هذا الشخص بثني هذا الوتر او قصه او فرده .. حتى يشكله بحيث يناسب دائرته و من ثم يبدأ بالانصات من جديد للحن الخارج من هذا الوتر .. وبعدها يهتف .. لقد فهمت كل شئ.
ثم يتصرف ويقرر بنائا على هذا الفهم لما يدور او يُقال في محيطه .. وهو بكل تأكيد لا يشك بمثقال ذرة في رؤيته للامور .. بل يظن ان هذه الرؤية التي امتلكها للمحيط هي الواقع الثابت والوحيد.
و من هنا يأتي جنون العالم .. ومن هنا تأتي المذاهب والاختلافات .. والقضايا والحروب .. ومن هنا ايضا ينبع الجهل و انحطاط الرقي. فكلما جهل الانسان هذا التصور انحط فكريا واخلاقيا .. واصبح كالفقير المعدم.
فإن هذه الوقوع العدة او الداوئر العدة تتقاطع في بعض الاحيان فيتشارك الشخصان أُفق مشتركة.. وكلما اتسعت الدائرة كثرت تقاطعاتها مع الدوائر الاخرى و زاد استيعاب الافكار و الفكر المختلف .. وكلما اتسع أُفق الانسان او اتسعت دائرته كلما ادرك ما مدى به من جهل.
ولكننا كالمشركين بالأُفق .. يعبد كلٌ منا واقعه ونقول قلوبنا غُلف. ما من تفسير غير هذا و ما من احساسٍ او تصور غير هذا و ما من فكرٍ غير هذا .. وما من واقع اخر .. فهذا ما وجدنا عليه ٱبائُنا.
و تضيق دائرتنا حتى تبدو كالثقوب .. فنبلغ من ضيق الأُفق انه يكاد يكون من المحال ان تتقاطع دائرتنا مع اي دائرةٍ اخرى فنكون عديمو الفكر فقيرو العقول.
و ما علينا الا ان نُدرك .. ان الواقع ليس دائما كما يبدو في ادمغتنا وانه يمكن ان تكون الامور بعيدة كل البعد عن ما نفهم او نعقل، وان تكون على ارض اخرى غير التي نقف عليها. وان ندرك ان العالم اكبر من ما يبدو و اعقد من ما نتصور.. وما في ايدينا الا ان نعمل على توسيع دوائرنا .. فلا اسمى وانبل في العالم من محاولة الوصول للفهم .. او لعدمه.
واننا في اغلب الظن .. لن ندرك الامور ادراكا كاملا .. دائما هناك ما ابعد .. ودائما هناك ما اعمق. فان قدرتنا على الاحاطة قاصر في نهاية الامر.
وانه كادراك الله .. فادراك الله يكمن في ادراك عدم ادراكه.