كان المبدأ المتعارف عليه في الفيزياء الكلاسيكية، أن أي شيء يحدث، لابد أن يكون له سبب محدد، في إطار مايطلق عليه بالسببية، ولكن هناك ظواهر محيرة لأصحاب النمط الميكانيكي في تفسير الكون، وبقيت الصدفة واحدة من هذه الظواهر أو النماذج المصاحبة لحيرة المجتمع العلمي.

فما هي الصدفة؟! أم أنه لا وجود لها؟!

قبل وفاته في عشرينات القرن الماضي، ظهر عالم الأحياء النمساوي باول كاميرر بنظرية قانون السلسلة، والذي عدّه نوعًا خاصًا من القصور الذاتي الذي يدفع بالحوادث المتشابهة نحو التكرار، وقد دوّن في كتابٍ له يحمل ذات الاسم، مئة حالةٍ رصدها لنفسه ولمن حوله تحمل تزامنياتٍ مدهشة.

 فصّل كاميرر في كتابه هذا مفهومين أولهما درجة السلسة، وهي عدد مرات تكرار الشيء، وقسّمها إلى أربع درجات أسمى رابعها بالدرجة (الرفيعة)، وأرفق لكم في هذا المقام، مثالًا حضرني من رواية كائن لا تحتمل خفته لميلان كونديرا (الفصل التاسع والعاشر من القسم الثاني صفحة (٤٢-٤٤).

في القرن التاسع عشر أطلق الطبيب النفسي السويسري وزميل فرويد(كارل يونغ)-الذي انشق عن مدرسة التحليل النفسي الفرويدية، ليقوم بتأسيس مدرسته الخاصة في علم النفس التحليلي- مفهوم التزامن، وعرّفه على أنه مبدأ تفسيري أو صدفة ذات مغزى، في محاولة لتفسير ما لا نستطيع أن نفهمه أو ندرك له وجهًا من وجوه التفسير -حمل هذا المفهوم أيضًا مسمى (الاستسقاط) وهو إدراك عفوي للصلات بين ظواهر غير ذات صلة- كما أنه أعطاه بعدًا كليًّا، يتعالى على الظواهر النفسية والفيزيائية على حدّ سواء، إذ يتم الربط بين شيءٍ معين وبين اللاوعي الإنساني لتقدير شيء في المستقبل، حيث يرى يونغ بأن:

“اللاوعي هو المكان الذي تبرز فيه عناصر التزامن، والتزامنات مرتبطة بظهور الأنماط البدئية عبر توسُّط اللاوعي الجمعي”

وبالتالي فإن:

“التزامن حدثٌ ذو طبيعة كلِّية، يتم دون رابط سببي مباشر، كما أنه يدل على الجديد، اللامتوقَّع، والحي”. فهو واقع إبداعي بشكل أساسي”.

ومن قبيل التزامنات المدهشة التي يتجلى فيها إطار طرحنا، قصةٌ يذكرها علماء الباراسايكولوجي وعلم نفس الأعماق كحالة دراسية :

[ما حدث مع ملك إيطاليا في القرن العشرين أمبرتو الأول الذي دخل مطعماً فاخراً جداً، جلس فيه ليطب اللذائـذ .. و كان أن لاحظ بعضٌ من حرسه أن صاحب المطعم هو صُورة مستنسخة -تقريباً- طبق الأصل والشبه من الملك أمبرتو بشكل محيّر ، لفت الحراس نظر الملك الذي لاحظ بدوره هذا الشبه العجيب وفرح به، أتى الحراس بصاحب المطعم أمام الملك وسألوه عن اسمه؟ فأجابهم: أمبرتو .. عجيب جداً! وهذا من حسن طالع صاحب المطعم. سألوه أيضاً في مسألة ثانية وقالوا له من أين أنت؟ فأجاب بأنه إيطالي الأصل من مدينة تُورين، تورين؟! عجيب فالملك أيضاً من مدينة تُورين وولد فيها. سألوه أيضاً: متى ولدت؟ قال لهم في سنة كذا وكذا .. و تعجبّوا أيضاً لأنه مولود في السنة نفسها التي ولد فيها الملك تماماً! .. ثمّ أخذوا يسألونه عن دقائق حياته: متزوّج أم أعزب؟ فأجاب: نعم متزوج. فقالوا ما اسم زوجتك؟ فأجاب بأن اسمها ماركيتا وازداد التعجب لأنه نفس اسم زوجة الملك أمبرتو! سألوه .. هل رزقت بأولاد: قال نعم ولدٌ واحد واسمه فرونيو .. أخذ الحراس يفغرون أفواههم ويضربون أخماساً في أسداس لأن اسم ابن الملك أمبرتو الوحيد أيضاً هو فرونيو! .. شيء محيّر جداً، قدمت هذه المعلومات للملك وقال بأن هذا شيء غير طبيعي أبداً. الشكل نفسه، الاسم نفسه، المدينة نفسها، سنة الميلاد نفسها، اسم الزوجة واسم المولود نفسهم!. هذه ليست صدفة أبداً إذ لا يوجد إمكانية رياضية لتفسير مثل هذه الحالات وخاصة فيما يعرف بنظرية (التكرار) في علم رياضيات الاحتمال. على كل حال .. أعجب من كل هذا عندما سأل الحراس صاحب المطعم عن السنة التي افتتح فيها مطعمه الذي حلّ عليه الملك زبوناً اليوم؟ فأجاب : في يوم كذا .. عجيب! إنه نفس اليوم الذي تولى فيه الملك أمبرتو الحكم! وكأن صاحب المطعم لديه مملكة في حدود مطعم .. والملك أمبرتو لديه مملكة هي إيطاليا. سمع الملك كل هذا واستثيـر تماماً ودعا صاحب المطعم بصفة شخصية لحفلٍ بمناسبة شيء معين. ولكن للأسف .. لم يأت صاحب المطعم ليلبي هذه الدعوة لأنه قضى نحبه مغدوراً بعيار ناري، تأسف على ما حدث له الملك الذي لحق به بدوره في نفس اليوم مغدوراً بالرصاص.]

في المقابل، يعزو المجتمع الديني هذه الظواهر إلى مفهوم القدر الإلهي.

والآن، كيف تفسر الصُّدف أو التزامنات؟وهل تكون جميعها ذات مغزى وهل هذه الظواهر نتاج احتمالات رياضية أم أنها أقدار وترتيبات إلاهية؟