يقول الفيلسوف سورين كيركيجورد: " الإلمام بالقلق مغامرة يتوجب على كل إنسان أن يخوض غمارها ويتحداها إذا لم يشأ الهلاك إما بالتنكر للقلق أو بالغرق فيه. لذا فإن الشخص الذي تعلم أن يكون في القلق بشكل صحيح يكون قد تعلم الشيء الأكثر أهمية".

 هل في يوم ما راودنا شعورنا بالفزع وكرب دون سبب؟! وهل هنالك فرق بين القلق والخوف؟ الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر يقول بأنّ الوجود الإنساني يؤدي إلى الشعور بالقلق، والذات أمام خيارين إما التعايش معه وما يترتب عليه داخل الوجود الأصيل الحقيقي أو الهروب إلى وجود مزيف. 

في فلسفة هايدجر القلق عكس الخوف لا يوجد له ما يبرره، لا يأتي بسبب كيان دنيوي نخشى أن يؤذينا أو احتمالات ملموسة قد تضر بمصالحنا أو حياتنا على المدى القريب، ما يثير القلق ليس شيئًا نوجهه بل هو وجودنا ذاته. 

 في الواقع يجد الإنسان نفسه ملقى في العالم مكبل داخل سياق اجتماعي وثقافي وسياسي وتاريخي ويلاقي مواقف لم يخترها، خارجة عن إرادته، لكنها تحدد من هو وما يمكن أن يكون. فالإنسان لا يعيش منعزلًا بل ضمن الوجود المادي للأشياء، لكن ما الذي يميزنا هنا؟ إدراك فردانية وخصوصية الذات هي من تميزنا، ورغم ذلك، نحن لا نعيش وحدنا بل نتواجد في علاقات مع ذوات مثلنا، ويتميز الوجود الإنساني بأنه وجود مع الأخرين ووجود في العالم.

لكن لماذا يجب على الانسان أن يختار الاستماع إلى القلق أو الهروب؟ في حالة الحزن مثلًا بعد فقدان شخص مقرب، أو في حالات الرفض العاطفي غالبًا ما يغرق المرء نفسه في المشاريع الدنيوية والشؤون الاجتماعية. ومن خلال الانشغال بالمخاوف الدنيوية. وفي هذا النوع من التملص ينسى الإنسان وجوده الخاص الفريد. 

الخوف من العدم، يدفع الإنسان إلى الاطمئنان في الوهم وعن هذا يكتب هايدجر: "في مواجهة الإلقاء يهرب الدازين إلى الراحة التي تأتي مع الحرية المفترضة للذات". لكنه يؤشر أيضًا على طريق مختلف فيه "المرء لا يهرب بالضرورة عندما يتراجع أمام شيء ما أو يبتعد عنها" يكون ابتعاده عن المشاغل اليومية والتصالح مع القلق طريقًا ممهدًا لبداية التفلسف وتفعيل "لأقصى إمكانات وجود" الإنسان. 

عندما يحاور قلقه يجده الدليل في استكشاف العدم؛ لأنه بعكس الخوف ليس أثرًا جانبيًا [للإدراك أو الإرادة أو الفعل]، ولكنه الشيء الذي يحدد مسبقًا وجودنا في العالم، القلق موجود بالفعل، وهو الوسيط أو العدسة التي من خلالها ينكشف العالم لنا. 

وأنتم، كيف تتعاملون مع قلقكم؟ هل تستمعون اليه وتواجهونه أم تهربون منه؟