تخيل أنت جالس في غرفة مغلقة وفارغة، لا شيء معك سوى كلمات كما تقول ماجدة الرومي ونفسك الحرة من كل القيود، بإمكانك أن تفعل ما يحلو لك: تغني، ترقص، تجامل نفسك في المرآة...فجأة تشعر بعين فضولية ترقبك من ثقب الباب، وتخلع عنك كل خصوصيتك وحريتك في أن تكون نفسك، تخيلت معي هذا المشهد؟! طيب أغمض عينيك ثانية وتخيل الأن أنك في مقهى شرودي تشرب قهوتك الصباحية وتقرأ روايتك المفضلة أو تتصفح هاتفك، وبينما أنت في تركيز فيما أنت فيه، إذ بها بصفعة غليظة من عيني رجل حشري في الطاولة المجاورة تتربص بك، ماذا سيكون موقفك؟ بماذا ستشعل وقتها؟ هل فكرت في أين حريتك وقتها ؟

دعني أعود بك للواقع الآن وأقول بأن هذين السيناريوين اللذين نجدهما في معظم كتب ساتر وفلسفته، ليسا خيالا على الاطلاق، بل هما النموذجين الأكثر واقعية اللذين يمكن من خلالهما تلخيص وفهم موضوع الحرية، في رأيه، فمنذ كتابة الوجود والعدم، حاول أن يفكك لنا مفهوم الحرية البنية النفسية والمعرفية عن الحرية، فخلُص إلى واحدة من أجمل النظريات الوجودية في الفهم البشري.

في مسرحيته " لا مخرج" يحاجج سارتر عن أن الإنسان في ذاته كجوهر أصيل ومتفرد هو كائن حر، حرية كاملة، أن هذه الحرية هي ماهيته الحقيقة، لكن الحرية لا تعني الفوضى واللاكتراث، بل حرية ملتزمة، إي أن الفرد له القدرة على القيام بالفعل الحر بشكل واعي ومسؤول، فالحرية بالنسبة إليه ليست سابقة على الفعل كما هي في الفلسفات العقلية، التي تقول بأن الإنسان يولد حر وعلى ذلك يكون أفعاله نتيجة لحريته، لكن ساتر يقول بأنها وليدة الفعل والمواقف الحقيقية فهي الممارسة المسؤولة وليست فقط أقوال منفصله عن الفعل وسابقة عنه.

يعتقد ساتر أن الحرية هي أعظم ما وهب للبشرية لكنها في نفس الوقت هي مصدر الألم والصراعات في الوجود، فرغم حتمية حرية الأنا، لكنها من الصعب أن تصل لتحقيقها بسبب وجود الأخرين الذي يحولون بينها وبين ذاتها الحرة، إذ يقول في روايته" الغثيان" أن الأخر هو الجحيم"، فالأخر دائما ما يتعدى على حدود الأنا في محاولة دائمة لانتزاع الحرية منها والسيطرة عليها، سواء بواسطة نظرة أو فكرة أو حكم أو سلوك معين، ويذهب سارتر بعيدا في توضيح مسألة الأخر هو الجحيم، فيقول بأن كل أفعال الاخرين هي تطفل على حرياتنا، حتى العلاقات الإنسانية التي نعتبرها سامية مثل الحب، أو العطف هي محاولة أنانية من الاخر للاستيلاء على حريتنا، ففي علاقة الحب مثلا، يكون أحد الطرفين هو المسيطر ويأخذ حريته وحرية الطرف الثاني، فالمشاعر التي تتكون منه للطرف الآخر هي مشاعر الرغبة في السيطرة وتوسيع حريته بامتصاص حدود الآخر، فلا يوجد حب حقيقي أو عطف ولا حتى كراهية، بل توجد رغبة في امتلاك الاخر لأخذ حريته.

وأنت ما رأيك في الحرية، هل تعتقد أن سارتر محق في رؤيته حول الحرية؟