من منظور الإسلام: الأخلاق أولاً، لكن هذا العنوان الذي قد يُغضب أهل توحيد الله تعالى لأول وهله، ويُفرح فئام من الناس تنوعت نياتهم بين مفسد يريد هدم التوحيد، ومصلح لم يسعفه علمه الشرعي أن يتبيّن موضع زلله، هذا العنوان صادق من عدة جهات:
الجهة الأولى: أن الأخلاق مصطلح شامل يشمل كل خير يُقصد به إصلاح أمور الدنيا والآخرة، قال ابن القيم: "الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين"
وعلى رأس الأخلاق كلها توحيد الله تعالى، وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
الجهة الثانية: أن الأخلاق المشهورة عند الناس لا تكون كاملة وصادقة ومثمرة إلا إذا كان مبعثها وغايتها امتثال أمر الله تعالى وطلب رضاه، فالصادق غير المسلم صدقه ناقص، والوفي غير المسلم وفاؤه ناقص، والمحسن غير المسلم إحسانه ناقص، بل تلك الصفات وغيرها فاقدة لأهم خصائص الصدق والوفاء والإحسان.
بل جاحد ربوبية الله سبحانه وألوهيته ضارب في العمق لأهم وأنبل وأوجب صفة إنسانية التي هي صفة الوفاء.
فكم يؤلم الإنسان إذا أغدق على صاحب له ألوانًا من الإكرام، ثم بعد سنوات من العطاء، جحده صاحبه، وقال: ليس لك فضل عليّ! أتُرى هذا الرجل المنعم يقبل في صاحبه بعد ذلك ثناء من الناس بأنه كريم أو شجاع أو طيب، كلا ولا رُبع كلمة، ولا يلام في ذلك.
فكيف بالله تعالى الذي كل خير في هذه الدنيا منه، أتشفع لإنسان بعض أخلاقه الحسنة وقد سحق الوفاء تحت قدميه، وخان عهد الفطرة
الجهة الثالثة: أن مصطلح الأخلاق العرفي عند الناس الذي يعني: اللين والبشاشة والصدق والوفاء والعطاء ونحو ذلك ليس مقدّمًا على التوحيد، ولو كان مع التوحيد شيء من الغلظة أو الغشّ أو البخل أو غيرها من الصفات التي لا تبطل صحة توحيد الإنسان لربّه.
ودونك هذا المثال الذي يجلّي صحة ما سبق:
أرأيت لو أن ملكًا كان في رعيته رجلان:
الأول صادق وفيّ ليّن بشوش مع الناس، ملتزم بمعظم الأنظمة التي يسوس بها الملك البلاد، لكنه لا يقرّ بصحة ولاية الملك وليس له عنده بيعة، ويكرهه، ويودّ زوال ملكه.
والثاني: عنده شيء من الكذب والغش والظلم، لكنه مقرّ بصحة ولاية الملك، مبايع له، محبّ، داع للدفاع عنه، راغب في استتباب ملكه.
فأيّ الرجلين أقرب للملك وأحقّ بالإنعام والعطاء، وأيهما أحقّ بالإبعاد والعقوبة !
كذلك شأن الله سبحانه مع عباده، فالمقرّ بتوحيده ولو صاحب توحيده شيء من المعاصي والأخلاق السيئة أقرب إلى الله سبحانه من الجاحد لربوبيته وألوهيته ولو كانت أخلاقه مع الناس غاية في اللين والصدق والعطاء.
التعليقات