( أول حكام الكهف ) 

قال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) ) الكهف  .

عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: "مَن قرأَ سورةَ الكَهْفِ ليلةَ الجمعةِ، أضاءَ لَهُ منَ النُّورِ فيما بينَهُ وبينَ البَيتِ العَتيقِ "صحيح الجامع" .

قال رسول الله ﷺ "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين"، رواه الحاكم والبيهقي حديث حسن وقال: هو من أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف، وصححه الألباني.

والرسول ﷺ كان قد وجهنا نحو قراءة ( تدبر وتفكر ) كما يوجهنا الله عز وجل في عدة آيات  لتدبر القرآن والتفكر حتى ندرك حقائق الأشياء التي لا يدركها الكفار والمشركون والمنافقون والغافلون من المغضوب عليهم والضالين، فبعد التدبر والتفكر تأتي البصيرة، ومن كان لديه بصيرة تكاملت لديه المعرفة و صحَّت وصفت لديه الرؤية 

بعد ما كتبت في عدة مقالات حول ( الكهف الفكري المعنوي ) وحول ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)) الكهف … كنت أتسائل، لم وجه الله عز وجل الإنذار إلى الذين قالوا اتخذ الله ولدا؟ ، أي ( اليهود والنصارى ) ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) وما علاقتهم بالأعور الدجال - إبليس - الذي ذكر وذريته في الآية 50 من سورة الكهف؟، وجاء توجيه الإنذار بعد بيان بأن الكتاب المنزل على سيدنا محمد ليس به  (  عوج  ) ؟، وينذرهم الله عز وجل من ماذا ؟

سأعود إن شاء الله للإجابة على التساؤلات، وبعض الإجابات في البيان الآتي : 

قال تعالى ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) ، وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8) ) فالله يطلب من سيدنا محمد ﷺ أن لا يجهد نفسه إجهادا يؤدي إلى هلاكه، وأن لا يكلف نفسه فوق طاقتها، وأن لا يأسف ويحزن حزنا عميقا على عدم إيمان من يدعوهم، فالله جعل زينة الأرض ليختبرهم مع علمه بحالهم وأحوالهم ومآلهم، وهو ابتلاء واختبار لا يزيد الله عز وجل علما بل لإقامة الحجة عليهم، ثم يهلك كلّ شيء على الأرض ويبيده، ثم قال عز وجل في نفس السياق مباشرة ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)، قال المفسرون، أي يقول الله عز وجل، يا محمد هناك آيات أعجب من آية أصحاب الكهف والرقيم، التي ذكر الله عز وجل ما حدث لهم في باقي الآيات ، وذِكرُ الله بأن هناك آيات أعجب فيه إشارة ولفتة بأن من لم يؤمنوا بكلام الله عز وجل أو ظنوا بأن القرآن به ( عوج ) وتعاملوا معه على هذا الأساس سيصبحون ( آية ) من آيات الله عز وجل أعجب من آية أصحاب الكهف والرقيم، والآية هي الشيء العجيب الملفت عند من شاهدها وأدركها، وكما أوضحت في عدة مقالات، منها مقال إنسان الكهف، و مقال أصحاب الكهف وأهل الكهف، حيث كتبت، (( والحالة العجيبة الملفتة لإنسان الكهف ( الإنسان الحي الميت " ميت القلب " ، اليقظ النائم " نومة فكرية " ، المتعلم الجاهل " الجاهل بحقائق الأشياء "، المكتمل الحواس " الفاقد للشعور والإحساس " ) ، أي الحالة ونقيضها )).

قال تعالى ( وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) يوسف .

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ" صحيح البخارى .

هذا الحديث يشاهد ويلمس معظم المسلمين تطبيقاته في العصر الحديث، أي في زمن الملك الجبري، ولكن يغفل المسلمون عن تطبيقاته التي حدثت منذ بداية الملك العاض وهو زمن ملك ( معاوية ) ، وهو الزمن الذي بدأ المسلمون فيه يدخلون في بحر الظلمات والكهف الفكري المعنوي بعد ما صرعتهم الفتن وعلى رأسهم فتنة إبليس - أو الأعور الدجال - المذكور في الآية ( 50 )  من سورة الكهف .

لقد كانت بداية حدوث تطبيقات عملية لما جاء في الحديث من اتباع سنن اليهود والنصارى عندما تأثر وأعجب ( وافتتن ) بهم معاوية بن أبي سفيان ( مظهرا وجوهرا ) وانتهج نهجهم واستن بسنتهم في الحكم، فهو استحدث بدعتين قيصريتين في الإسلام، وهما أسوأ بدعتين سياسيتين جلبتا المرض العضال إلى جسد الأمة وأدتا إلى بداية الدخول في بحر الظلمات والكهف الفكري المعنوي، وهما بدعة ( الطواف في فلك افكار الحكام الخاطئة والفاسدة والطواف في فلك الأشياء ) وبدعة ( التوريث ) وهو سبيل المغضوب عليهم والضالين، وهي كانت من سنن اليهود والنصارى في الحكم، فهم لا يملكون منهجا كاملا شاملا ينظم حركة المجتمع وفق السنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم ولحركة الحياة، كما لم يكن لهم رسالة ربانية يطوفون في فلكها كما للمسلمين .

ولقد اعترض على تبديل سنة الشورى ببدعة التوريث كثير من الصحابة، على رأسهم  سادتنا الحسين بن علي وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم، وقالوا لمعاوية وهم يتساءلون ( أقيصرية أم كسروية ؟ ) 

فمعاوية بن أبي سفيان كان ( أول حاكم وملك مسلم من حكام وملوك الكهف ) وما أحدثه في الإسلام دليل على فقدانه للهدى والرشد والبصيرة، لذلك لم يضم الرسول ﷺ فترة حكمه إلى فترة حكم الخلفاء الراشدين -"رضي الله عنهم - الذين كانوا يملكون عقولا راشدة رشيدة، لأنهم استهدوا بهدي النبي ﷺ ولم يبدلوا من سننه ولا من أي من السنن والقوانين الحاكمة للوجود القائم التي وضعها رب العالمين، فلا هدى إلا لمن اتقى وبالنبي قد اقتدى .

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله ﷺ : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) فبعض من فقدوا الهدى والرشد لا يرون ما أحدثه معاوية إستدراك على الله عز وجل، بل هو خطأ له فيه أجر!، ألم يقرأوا قول الله تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ) ( فالاعوج ) الذي انحرف ومال عن الصراط المستقيم هو من رأى الكتاب فيه ( عوجا ) ليستدرك على الله جل قدره، ألا يكون ذلك ( الأعوج ) من المغضوب عليهم أو من الضالين ؟.

كما ان معاوية أكبر صنم يسكن قلوب وعقول بعض أهل السنة، وهو الصنم الذي يبقي عباده في الكهف الفكري المعنوي حيث يسد أمامهم الأفق الفكرية ويحرف مسارات عقولهم، ولا أمل لهم بالخروج من الكهف ( إطلاقا ) إلى العوالم والأفق الفكرية للذين أنعم الله عليهم بالهدى ونور اليقين من ( أهل الحقيقة )،إلا بعد تحطيم الصنم وغيره من أصنام استقرت في القلوب والعقول، فإبليس وذريته أجادوا صناعة الأصنام الآدمية - الحية والميتة - والمادية والفكرية في القلوب والعقول، وما أحدثه وشرعنه معاوية ومن بعده من المحسوبين على أهل العلم، يعول عليه إبليس لإبقاء الأمة تحت سلطة حكام وملوك الكهف داخل الكهف الفكري المعنوي وفي بحر الظلمات وتحت مظلمة الطغيان والإستبداد السياسي وتسلط وحكم الشياطين،فإبليس فتان وهو يجيد كل فن .

عن أبي أمامة الباهلي  عن النبي ﷺ أنه قال: لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة ، أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد… لم وجه الله عز وجل الإنذار إلى الذين قالوا اتخذ الله ولدا، أي ( اليهود والنصارى ) ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) وما علاقتهم بالأعور الدجال - إبليس -، وجاء توجيه الإنذار بعد بيان بأن الكتاب والقرآن المنزل على سيدنا محمد ليس به ( عوج  ) ؟، ومن ماذا ينذرهم  الله عز وجل ؟ . 

لقد كان الله عز وجل يعلم بأن معاوية وأمثاله - بعد نقض الحكم - سيسلكون سبيل المغضوب عليهم والضالين في الحكم، أي اليهود والنصارى، ويعلم أن سلوك سبيلهم سيبدأ بعد تبديل السنتين الربانيتين ( الطواف في فلك أفكار الرسالة ) و ( الشورى ) ببدعتين قيصريتين ( الطواف في فلك الحكام و أفكارهم الخاطئة والفاسدة وفي فلك الأشياء ) و ( التوريث ) وهذا سيؤدي إلى تحول الأحوال ( الفكرية والروحية ) للحكام المبدلين مما يؤثر على المحكومين لتصبح أحوالهم من أحوال الحاكمين، إلا من رحم الله. 

جاء في تفسير ابن كثير (( ( لينذر بأسا شديدا من لدنه ) أي : لمن ( خالفه ) وكذبه ولم يؤمن به ، ينذره بأسا شديدا ، عقوبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الآخرة ) من لدنه ) أي : من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد ، ولا يوثق وثاقه أحد .)) انتهى .

فتحول الإنسان إلى إنسان الكهف عقوبة عاجلة في الدنيا، وبعض الناس الصالحين لم يجدوا من يصحح بناءهم الفكري ومفاهيمهم وتصوراتهم التي تشوهت بسبب كتب التراث التي تم التلاعب بها من قبل الشياطين بواسطة مطاياهم من الإنس .

والله عز وجل قد أنذر بأن بأسه بأس شديد وعقوباته عقوبات شديدة، الدنيوية والأخروية، والأحوال الفكرية والروحية المتردية التي يكون عليها اليهود والنصارى من عقوبات الله الشديدة الدنيوية، وهي عقوبات طالت من اتبع سننهم في الحكم من المسلمين أو في المسائل التي نهى الله عز وجل عنها وأمر فيها، وهي عقوبات دنيوية شديدة خفية لا يشعر بها من طالته، وتتمثل بفساد العقل وطمس البصيرة وذهاب الوعي والشعور وضيق الأفق والمدارك، وقد تتطور الحالة إلى السفه والخبال وكما نشاهد أمامنا الأن . 

( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) فالإنذار موجه لليهود والنصارى ولمن اتبع سننهم، حيث سيطاله ما يطالهم من عقوبات شديدة دنيوية وأخروية، ومن العقوبات الدنيوية تغييب العوالم الفكرية للذين أنعم الله عليهم بالهدى ونور اليقين . أي أرسل لنا الله عز وجل منهجا ليس به ( عوج  ) ثم نذهب لنقلدهم ونختار( إعوجاجهم ! ) .

إن الدخول في بحر الظلمات والكهف الفكري بعد ما هيمن إبليس - الأعور الدجال- على حكام المسلمين الذين سلكوا سبيل المغضوب عليهم والضالين، كان دخولا تدريجيا بعد ما شرعن حكم القاهر المتغلب حيث أصبحت القوة فوق الشريعة ، وبعد ما أحيط بسور من القداسة التي تضخمت مع مرور الزمن،  حتى أصبحت المطالبة بعودة الشورى والطواف في فلك أفكار الرسالة وكما كان زمن النبوة والخلافة الراشدة خروجا على الحاكم الباغي، ويوصف بأنه بغي، فالله عز وجل وصف تعطيل الشورى وإبعادها من حياة الأمة السياسية بأنه ( بغي ) ( ... وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ (39)) الشورى،.. 

وعلى رأس من خرج لينتصر لدين الله عز وجل وللمسلمين هو سيدنا الحسين رضي الله عنه، وبعد مقتله ومقتل جمع كبير من الصحابة رضوان الله عليهم في المدينة المنورة ومكة المكرمة، على فترات، ومن ثم استتب الأمر للبغاة الطغاة من حكام الملك العاض الذين فتنوا بالمال والمناصب وبالدنيا التي فتحت ذراعيها لهم .( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)) الكهف، وهكذا صرعتهم فتنة إبليس - الأعور الدجال - كما صرعت كثير من المسلمين … وفشل من خالفوا نهج ومسلك رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم في الحكم أمام سنة الإبتلاء، فشلا بينا وواضحا، يثبته استسهالهم لسفك الدماء وتلاعبهم بالمال العام وحياة البذخ  والترف والسفه وتفلتهم من رقابة ومحاسبة المجتمع… إلخ، وفي الوقت الذي كان فيه إبليس - الاعور الدجال - ينفذ استراتيجيته وخططه الطويلة المدى كانوا في غفلة من أمرهم بعدما طمست بصائرهم . قال رسول الله ﷺ ( إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال ) صححه الألباني. والفتنة هي الإبتلاء والإختبار المضل عن الحق المفسد للعقل لكل من تأثر بالفتنة .

قال رسول الله ﷺ ( والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم ) متفق عليه.

وفي زمن الملك الجبري تطور الأمر، حيث راح حكام الملك الجبري يطوفون في فلك الغرب، وهو الأمر الذي لم يحدث في زمن الملك العاض الذين انتهى في زمن سقوط الخلافة العثمانية، حيث اعتمد حكام الملك الجبري الفلسفة الغربية في التربية والتعليم، وتعاملوا بالربا، وعطلوا أحكام الشريعة إلا ما راق لهم منها، وأخرجوا النساء من طبيعتهن ولم يعلمونهم العلم الذي يعينهن على إدارة شؤون الأسرة ورعاية وتربية الأبناء، ولم يمكنوهن من ذلك، بعد ما نظروا إليهن بعيون المغضوب عليهم والضالين، أي اليهود والنصارى الذين ينظرون إلى المرأة بعيون الرأسماليين الذين يهمهم توفر ورخص الأيدي العاملة على حساب استقرار وترابط الأسرة وتربية ورعاية الأبناء، وعلى حساب الأمن الفكري والروحي للنساء، وما ذكرته من أهم المسائل التي تقوي وترسخ هيمنة إبليس - الأعور الدجال - وسيطرته على العالم .

وحكام الكهف في هذا الزمن لا يدركون بأن المرأة هي ( الرقم الصعب المهمل ) في معادلات البناء والصراع والنهضة، وفي الحرب الفكرية الروحية التي يشنها إبليس على البشرية 

فإصلاح أحوال المجتمع الفكرية والروحية والنفسية والمادية لا تتكامل إلا بعد إصلاح أحوال المرأة وتمكينها وتسليحها بالعلم اللازم للبناء والصراع بين قوى الحق وقوى الباطل وبين قوى الخير وقوى الشر، وأما تأميل الفتيات والنساء بتحسين أحوالهن وفق الرؤية الغربية الفاسدة، فذلك يساعد حقيقة الأمر على توجيههن نحو السراب ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً …. (39) النور . 

( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ) 

( رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) انتهى …